وأفادت ﴿مِنْ﴾ التبعيضية في قوله: ﴿إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ إلخ، أن منها ما ليس بعدُ، كما قال النبي - ﷺ -: "الدنيا كلها متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة"، وقال - ﷺ -: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة، إن أمرها.. أطاعته، وإن نظر إليها.. سرته، وإن أقسم عليها.. أبرّته، وإن غاب عنها.. نصحته في نفسها وماله". فإذا كانت المرأة على هذه الأوصاف فهي ميمونة مباركة. وإلا.. فهي مشؤومة منحوسة.
والضمير في قوله (١): ﴿فَاحْذَرُوهُمْ﴾ يعود إلى العدو أو إلى الأزواج والأولاد لكن لا على العموم بل إلى المتصفين بالعداوة منهم، إنما جاز جمع الضمير على الوجه الأول؛ لأن العدو يطلق على الواحد والاثنين والجماعة. والحذر (٢) الاحتراز عن المخيف؛ أي: احفظوا أنفسكم من محبتهم وشدة التعلق والاحتجاب بهم، ولا تؤثروا حقوقهم على حقوق الله تعالى. وفي الحديث: "إذا كان أمراؤكم خياركم وأغنياؤكم أسخياءكم، وأمركم شورى بينكم - أي: ذا تشاور لا ينفرد أحد برأي دون صاحبه - فظهر الأرض خير لكم من بطنها. وإذا كان أمراؤكم شراركم، وأغنياؤكم بخلاءكم، وأمركم إلى نسائكم.. فبطن الأرض خير لكم من ظهرها". وفي الحديث: "شاوروهن وخالفوهن" (٣).
والمعنى (٤): يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله! إن من أزواجكم وأولادكم أعداء لكم، يحولون بينكم وبين الطاعات التي تقربكم من ربكم والأعمال الصالحة التي تنفعكم في آخرتكم، وربما حملوكم على السعي في اكتساب الحرام واكتساب الآثام لمنفعة أنفسهم. وروي: أن النبي - ﷺ - قال: "يأتي زمان على أمتي يكون فيه هلاك الرجل على يد زوجه وولده، يعيرانه بالفقر، فيركب مراكب السوء فيهلك". ومن الناس من يحمله حبهم، والشفقة عليهم ليكونوا في عيش رغد في حياته وبعد مماته، فيرتكب المحظورات لتحصيل ما يكون سببًا لذلك، وإن لم يطالبوه، فيهلك.
(٢) روح البيان.
(٣) هذا ليس بحديث وربما كان أثرًا عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه. اهـ.
(٤) المراغي.