وغيوهما. ومن ثم ترك كثير من السلف المال، والأهل رأسًا، وأعرضوا عنها بالكلية؛ لأن كل شيء يشغل عن الله فهو مشؤوم على صاحبه.
١٦ - ثم أمرهم سبحانه بالتقوى والطاعة، فقال: ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ﴾؛ أي: ما أطقتم وبلغ إليه جهدكم؛ أي: ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم، و ﴿الفاء﴾ فيه للإفصاح؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا علمتم ما ذكرت لكم وانتصحتم به.. فأقول لكم: اتقوا ما يكون سببًا لمؤاخذة الله إياكم من تدبير أمورهما، ولا ترتكبوا ما يخالف أمره تعالى من فعل أو ترك. وهذه الآية ناسخة لقوله تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ لما اشتد عليهم بأن قاموا حتى ورمت أقدامهم وتقرحت جباههم، فنزلت تيسيرًا لعباد الله. وممن قال بالنسخ: قتادة، والربيع بن أنس، والسدي، وابن زيد. وعن ابن عباس: أنها آية محكمة لا ناسخ فيها. ولعله - رضي الله عنه - جمع بين الآيتين بأن يقول هنا وهنالك: فاتقوا الله حق تقاته ما استطعتم، واجتهدوا في الإنصاف به بقدر طاقتكم، فإنه لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
والمعنى: ابذلوا في تقواه جهدكم وطاقتكم. إذا أمرتكم بأمر.. فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عنه فاجتنبوه.
﴿وَاسْمَعُوا﴾ مواعظه ﴿وَأَطِيعُوا﴾ أوامره ﴿وَأَنْفِقُوا﴾ مما رزقكم في الوجوه التي أمركم بالإنفاق فيها خالصًا لوجهه. وعن ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن المراد إنفاق الزكاة، والظاهر (١) العموم، وهو مندرح في الإطاعة. ولعل إفراده بالذِّكر لِما أن الاحتياج إليه كان أشد حينئذٍ، وأن المال شقيق الروح ومحبوب النفس، ومن ذلك قدم الأموال على الأولاد في جميع المواضع. وقال مقاتل: ﴿وَاسْمَعُوا﴾؛ أي: أصغوا إلى ما ينزل عليكم. ﴿وَأَطِيعُوا﴾ لرسوله فيما يأمركم وينهاكم. وقيل: معنى ﴿أسمعوا﴾ اقبلوا ما تسمعون؛ لأنه لا فائدة في مجرد السماع. ﴿وَأَنْفِقُوا﴾ من أموالكم التي رزقكم الله إياها في وجوه الخير ولا تبخلوا بها. ﴿خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ﴾ خبر لـ ﴿يكن﴾ المقدر جوابًا للأوامر المذكورة؛ أي: يكن ما ذُكر من السمع والطاعة، والإنفاق خيرًا لأنفسكم. أو مفعول لفعل محذوف؛ أي: ائتوا وافعلوا