ترغيب في الصدقة؛ حيث جعلها قرضًا لله مع أن العبد إنما يقرض نفسه؛ لأن النفع عائد عليه. اهـ. "شيخنا". قال القشيري: ويتوجه الخطاب بهذا على الأغنياء في بذل أموالهم، وعلى الفقراء في عدم إخلاء أوقاتهم عن مراد الحق ومراقبته على مراد أنفسهم. فالغني يقال له: آثر حكمي على مرادك في مالك وغيوه، والفقير يقال له: آثر حكمي في نفسك وقلبك ووقتك. اهـ. "خطيب". ﴿يُضَاعِفْهُ لَكُمْ﴾ من المضاعفة، بمعنى التضعيف؛ أي: التكثير، فليس المفاعلة هنا للاشتراك. ﴿شَكُورٌ﴾ والشكور مبالغة الشاكر. والشكر على أقسام: شكر بالبدن؛ وهو: أن لا تستعمل جوارحك في غير طاعته، وشكر بالقلب، وهو: أن لا تشغل قلبك بغير ذكره ومعرفته، وشكر باللسان؛ وهو: أن لا تستعمله في غير ثنائه ومدحه، وشكر بالمال؛ وهو: أن لا تنفقه في غير رضاه ومحبته. وأحسن وجوه الشكر لنعم الله أن لا تستعملها في معاصيه بل في طاعته.
البلاغة
وقد تضمنت هذه السورة الكريمة ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: تكرار (ما) في قوله: ﴿وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾، وفي قوله: ﴿وَمَا تُعْلِنُونَ﴾. إفادة للتأكيد والتعميم، وإيذانًا للاختلاف؛ لأن تسبيح ما في السماوات مخالف لتسبيح ما في الأرض كثرة وقلة، وإسرارنا مخالف لعلانيتنا. ولم تُكرر ﴿مَا﴾ في قوله: ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ لعدم اختلاف علمه تعالى؛ إذ علمه بما تحت الأرض كعلمه بما فوقها، وعلمه بما يكون كعلمه بما كان.
ومنها: تقديم الخبر على المبتدأ في قوله: ﴿لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ﴾ للدلالة على اختصاص الأمرين به تعالى من حيث الحقيقة؛ لأنه مبدؤ كل شيء ومبدعه، فكان الملك له حقيقة دون غيوه، ولأن أصول النِّعم وفروعها منه تعالى. فالحمد له تعالى حقيقة، وحمد غيره إنما يقع من حيث ظاهر الحال وجريان النِّعم على يديه. اهـ. "كرخي".
ومنها: الطباق بين ﴿السَّمَاوَاتِ﴾ و ﴿الْأَرْضِ﴾ وبين ﴿كَافِرٌ﴾ و ﴿مُؤْمِنٌ﴾، وبين ﴿وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon