وتخصيص النداء به - ﷺ - مع عموم الخطاب لأمته أيضًا لتحقيق أنه المخاطب حقيقة، ودخولهم في الخطاب بطريق استتباعه - ﷺ - إياهم وتغليبه عليهم، ففيه تغليب المخاطب على الغائب.
والمعنى: إذا طلقت أنت وأمَّتك. وقيل: خصه بالنداء أولًا تشريفًا له ثم خاطبه مع أمَّته، أو: الخطاب له خاصة، والجمع للتعظيم، وأمَّته أسوته في ذلك. وفي "الكشاف ": خص النبي - ﷺ - بالنداء وعمم بالخطاب لأن النبي إمام أمته وقدوتهم، كما يقال لرئيس القوم وكبيرهم: يا فلان، افعلوا كيت وكيت، إظهارًا لتقدمه واعتبارًا لترؤسه، وأنه لسان قومه، فكأنه هو وحده في حكم كلهم لصدورهم عن رأيه، كما قال البقلي: إذا خاطب السيد.. بأن شرفه على الجمهور: إذ جَمَعَ الجميع في اسمه. ففيه إشارة إلى سر الإتحاد.
وفي "كشف الأسرار": في هذا الخطاب أربعة أقوال:
أحدها: أنه خطاب للرسول - ﷺ -، وذكر بلفظ الجمع تعظيمًا له، كما يخاطب الملوك بلفظ الجمع.
والثاني: أنه خطاب له، والمراد أمَّته.
والثالث: أن التقدير: يا أيها النبي والمؤمنون إذا طلقتم، فحذف لأن الحكم يدل عليه.
والرابع: معناه: يا أيها النبي قل للمؤمنين: ﴿إِذَا طَلَّقْتُمُ﴾، انتهى. يقول الفقير: هذا الأخير أنسب بالمقام، فيكون مثل قوله: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ﴾، ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾، ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ﴾؛ لأن النبي - ﷺ -، وإن كان أصيلًا في المأمورات كما أن أمته أصيل في المنهيات؛ إلا أن الطلاق لما كان أبغض المباحات إلى الله تعالى.. كان الأولى أن يسند التطليق إلى أمته دونه - ﷺ - مع أنه - ﷺ - قد صدر منه التطليق، فإنه طلق حفصة بنت عمر - رضي الله عنهما - واحدة، فلما نزلت الآية.. راجعها، وكانت علَّامةً كثيرة الحديثِ قريبًا منزلتها من منزلة عائشة - رضي الله عنهما -: فقيل له - ﷺ -: راجعها، فإنها صوامة قوامة، وإنها من نسائك في الجنة، حكاه الطبري. وفي الحديث بيان فضل العلم وحفظ الحديث، ومحبة الصيام والقيام، وكرامة أهلهما عنده تعالى.


الصفحة التالية
Icon