تذكركن بفضلها، ويتحدث الناس بحسن أحدوثتها، ويكون فيها جبر لخاطرهن لما لحقهن من ضرر بالفراق، وليكون فيها بعض السلوة لهن عما فقدنه من العشير والأنيس.
ثم ذكر ما يحسن إذا أرادوا الرجعة، فقال: ﴿وَأَشْهِدُوا...﴾ إلخ؛ أي: وأشهدوا على الرجعة - إن اخترتموها - شاهدين من ذوي العدالة، حسمًا للنزاع فيما بعد، إذ ربما يموت الزوج فيدعي الورثة أن مورثهم لم يراجع؛ ليمنعوها ميراثها، ودفعًا للقيل والقال وتهمة الريبة، ومخافة أن تنكر المرأة الرجعة لتقضي عدتها وتنكح زوجًا غيره.
ثم خاطب الشهداء زجرًا لهم، فقال: ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ﴾؛ أي: وأدوا - أيها الشهداء - الشهادة عند الحاجة إلى أدائها خالصة لله تعالى؛ وذلك بأن يؤدوها لله لا للمشهود له وعليه، ولا لغرض من الأغراض سوى إقامة الحق ودفع الظلم، فلو شهد لغرض لا لله.. برىء بها من وبال كتم الشهادة، لكن لا يثاب عليها؛ لأن الأعمال بالنيات.
والحاصل (١): أن الشهادة أمانة، فلا بد من تأدية الأمانة، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾. فلو كتمها فقد خان، والخيانة من الكبائر، دل عليه قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾؛ أي: وأشهدوا على الحق إذا استشهدتم، وأدوا الشهادة على الصحة، إذ أنتم دعيتم إلى أدائها. وإنما حث على أداء الشهادة لما قد يكون فيه من العسر على الشهود؛ إذ ربما يؤدي ذلك إلى أن يترك الشاهد مهام أموره، ولما فيه من عسر لقاء الحاكم الذي تُؤدَّى الشهادة عنده، وقد يبعد المكان أو يكون للشاهد عوائق تحول بينه وبين أدائها.
وهذا (٢) أمر للشهود بأن يأتوا بما شاهدوا به تقربًا إلى الله تعالى. وقيل: الأمر للأزواج بأن يقيموا الشهادة؛ أي: الشهود عند الرجعة، فيكون قوله: ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ﴾ أمرًا بنفس الإشهاد، ويكون قوله: ﴿وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ﴾ أمرًا بأن تكون خالصة لله.
(٢) الشوكاني.