يذر.. يجعل له خروجًا من كل ضيق يشوش البال ويكدر الحال، وخلاصًا من غموم الدنيا والآخرة، فيندرج فيه ما نحن فيه اندراجًا أوليًا. وقيل: معناه: ومن يتق الله.. فليطلق للسنة، يجعل له مخرجًا إلى الرجعة، وعن النبي - ﷺ -: أنه قرأها، فقال: "مخرجًا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة". وفي "الجلالين": من الشدة إلى الرخاء، ومن الحرام إلى الحلال، ومن النار إلى الجنة، أو اسم مكان بمعنى يخرجه إلى مكان يستريح فيه. وسئل ابن عباس - رضي الله عنهما - عمن طلق امرأته ثلاثًا أو ألفًا، هل له من مخرج؟ فقال: لم يتق الله فلم يجعل له مخرجًا، بانت منه بثلاث، والزيادة إثم في عنقه.
٣ - ﴿وَيَرْزُقْهُ﴾ بعد ذلك الجعل ﴿مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ ولا يظن. ﴿مِنْ﴾ ابتدائية متعلقة بـ ﴿يَرْزُقْهُ﴾؛ أي: من وجه لا يخطر بباله ولا يحتسبه، فيوفي المهر ويؤدي الحقوق ويعطي النفقات. قال في "عين المعاني": من حيث لا يرتقب من الظن، أو يعتد من الحساب.
والمعنى (١): أي ومن يخش الله، فلا يطلّق في الحيض حتى لا تطول عدتها، ولا يضار المعتدة، فلا يخرجها من مسكنها، ويحتاط بالإشهاد حين الرجعة.. يجعل الله له مخلصًا مما عسى أن يقع فيه من الغم، ويفرج عنه ما يعتريه من الكرب، ويرزقه من جهة لا تخطر بباله ولا يحتسبها.
والخلاصه: من اتقى الله.. جعل له مخلصًا من غمّ الدنيا وهم الآخرة، وغمرات الموت وشدائد يوم القيامة. وفي الآية إيماء إلى أن التقوى ملاك الأمر عند الله، وبها نيطت السعادة في الدارين، وإلى أن الطلاق من الأمور التي تحتاج إلى فضل تقوى، إذ هو أبغض الحلال إلى الله؛ لما يتضمنه من إيحاش الزوجة وقطع الألفة بينها وبين زوجها، ولما في الاحتياط في العدة من المحافظة على الأنساب وهي من أجل مقاصد الدين، ومن ثم شدد في إحصاء العدة حتى لا تختلط ويكون أمرها فوضى. روي عن ابن مسعود: أنه قال: إن أجمع آية في القرآن: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾، وإن أكبر آية في القرآن فرجًا: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾.