وقيل المعنى (١): أي ومن يتق عذاب الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والوقوت على حدوده التي حدها لعباده وعدم مجاوزتها.. يجعل له مخرجًا مما وقع فيه من الشدائد والمحن، ويرزقه من جهة لا يخطر بباله ولا يكون في حسابه.
﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ﴾ في جميع أحواله، ويعتمد عليه في جميع أموره ﴿فَهُوَ﴾ سبحانه وتعالى ﴿حَسْبُهُ﴾؛ أي: كافي المتوكل عليه في جميع أموره ومعطيه حوائجه حتى يقول: حسبي. أو: من وثق بالله فيما نابه.. كفاه ما أهمه. والتوكل: سكون القلب في كل موجود ومفقود، وقطع القلب عن كل علاقة، والتعلق بالله في جميع الأحوال. و ﴿حسبه﴾ بمعنى: محسب؛ أي: كاف.
فإن قلت: إذا كان حكم الله في الرزق لا يتغير، فما معنى التوكل؟
قلت: معناه: أن المتوكل يكون فارغ القلب ساكن الجأش غير كاره لحكم الله، فلهذا كان التوكل محمودًا.
والمعنى (٢): أي ومن يكل أمره إلى الله ويفوض إليه الخلاص منه.. كفاه ما أهمه في دنياه ودينه، والمراد بذلك: أن العبد يأخذ في الأسباب التي جعلها من سننه في هذه الحياة، ويؤديها على أمثل الطرق، ثم يكل أمره إلى الله فيما لا يعلمه من أسباب لا يستطيع الوصول إلى علمها، كتوكل الزارع بعد إلقاء الحب في الأرض. وكان السلف يقولون: اتّجروا واكتسبوا، فإنكم في زمان إذا احتاج أحدكم.. كان أول ما يأكل دينه. وربما رأوا رجلًا في جماعة جنازة، فقالوا له: اذهب إلى دكانك. وليس المراد أن يلقي الأمور على عواهنها ويترك السعي والعمل ويفوض الأمر إلى الله، فما بهذا أمر الدين؛ بدليل قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾، وقوله - ﷺ -: "اعقلها وتوكل" إلى نحو ذلك مما هو مستفيض في الكتاب والسنة.
وروي عن ابن عباس: أنه ركب خلف رسول الله - ﷺ - يومًا، فقال له رسول الله - ﷺ -: "يا غلام! إني معلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت.. فاسأل الله، وإذا استعنت.. فاستعن بالله، واعلم: أن الأمة
(٢) المراغي.