عنه -: أنه قال: سمعت رسول الله - ﷺ - يقول في المبتوتة: "لها النفقة والسكنى"؛ لأن ذلك جزاء الاحتباس وهو مشترك بين الحامل وغيرها، خلافًا للأئمة الثلاثة. وأما المتوفى عنهن أزواجهن: فلا نفقة لهن من التركة ولا سكنى، بل تعتد حيث تشاء وإن كن أولات حمل؛ لوقوع الإجماع على أن من أجبر الرجل في حياته على النفقة عليه من امرأة أو ولد صغير لا يجب أن ينفق عليه من ماله بعد موته، فكذا المتوفى عنها الحامل، وهو قول الأكثرين. وقال أبو حنيفة: تجب النفقة والسكنى لكل مطلقة، سواء كانت مطلقة بثلاث أو بواحدة، رجعية أو بائنة ما دامت في العدة، أما المطلقة الرجعية: فلأنها منكوحة كمانت، وإنما يزول النكاح بمضي العدة، وكونه في معرض الزوال بمضي العدة لا يسقط نفقتها، كما لو آلى وعلق طلاقها بمضي شهر. فالمطلقة الرجعية لها النفقة والسكنى بالإجماع، وأما المبتوتة: فعند أبي حنيفة لها النفقة والسكنى ما دامت في العدة؛ لقوله تعالى: ﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ﴾؛ إذ المعنى: أسكنوا المعتدات مكانًا من المواضع التي تسكنونها، وأنفقوا عليهن في العدة من سعتكم، لما قرأ ابن مسعود - رضي الله عنه -: ﴿أسكنوهن من حيث سكنتم وأنفقوا عليهن من وجدكم﴾. وعند الشافعي: لها السكنى؛ لهذه الآية، ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملًا لقوله تعالى: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ...﴾ إلخ.
فإن قلت: فإذا كانت كل مطلقة عند أبي حنيفة يجب لها النفقة، فما فائدة الشرط في قوله: ﴿وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ...﴾ إلخ؟
قلت: فائدته: أن مدة الحمل ربما طالت، فظن ظان أن النفقة تسقط إذا مضى مقدار عدة الحامل، فنفى ذلك الوهم، كما في "الكشاف".
﴿فَإِنْ أَرْضَعْنَ﴾ هؤلاء المطلقات ﴿لَكُمْ﴾ أيها الأزواج ولدًا من غيرهن أو منهن بعد انقطاع عصمة الزوجية وعلاقة النكاح. وإنما قال: ﴿لَكُمْ﴾ ولم يقل أولادكم لما قال تعالى: ﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ﴾. فالأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأم، وعليه أن يتخذ له ظئرًا، إلا إذا تطوعت الأم برضاعه، وهي مندوبة إلى ذلك ولا تجبر عليه. ﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ على الإرضاع إن طلبن أو رَجوْنَ، فإن حكمهن في ذلك حكم الأظآر حينئذ. قال في "اللباب": فإن طلقها.. فلا يجب عليها الإرضاع إلا أن لا يقبل الولد ثدي غيرها،