والظاهر (١): أن قوله: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا﴾ مبتدأ، خبره قوله: ﴿قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ﴾. والخطاب فيه من قبيل الالتفات من الغيبة؛ أي: قد أنزل الله إليهم ﴿ذِكْرًا﴾ هو القرآن،
١١ - وأرسل إليهم ﴿رَسُولًا﴾ هو محمد - ﷺ - فهو منصوب بفعل مقدر على حد:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا
وقرىء: ﴿رسولٌ﴾ بالرفع؛ أي: هو رسول، على إضمار هو. وجملة قوله: ﴿يَتْلُو﴾؛ أي: يقرأ ويعرض ﴿عَلَيْكُمْ﴾ يا أولي الألباب، أو يا أيها المؤمنون، أو ﴿عليهم﴾ على الالتفات السابق صفة ﴿رَسُولًا﴾. ﴿آيَاتِ اللَّهِ﴾ سبحانه؛ أي: القرآن ﴿مُبَيِّنَاتٍ﴾ بالكسر؛ أي: حال كون تلك الآيات مبينات ومظهرات لكم ما تحتاجون إليه من الأحكام. أو بالفتح؛ أي: واضحات لا خفاء في معانيها عند الأهالي، أو لا مرية في إعجازها عند البلغاء المنصفين.
وقرأ الجمهور (٢): بالفتح على صيغة اسم المفعول، وقرأ ابن عامر، وحفص، وحمزة، والكسائي بالكسر على صيغة اسم الفاعل. ورجح القراءة الأولى أبو حاتم وأبو عبيد؛ لقوله: ﴿قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ﴾.
وإنما يتلوها، أو أنزله ﴿لِيُخْرِجَ﴾ الرسولُ، ويخَلِّصَ، أو الله تعالى. قال بعضهم: اللام متعلقة بـ ﴿أَنْزَلَ﴾ لا بقوله: ﴿يَتْلُو﴾؛ لأن ﴿يَتْلُو﴾ مذكور على سبيل التبعية دون ﴿أَنْزَلَ﴾. ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ الموصول عبارة عن المؤمنين بعد إنزاله، إلا.. فإخراج الموصوفين بالإيمان من الكفر لا يمكن إذ لا كفر فيهم حتى يخرجوا منه؛ أي: ليحصل لهم الرسول ما هم عليه الآن من الإيمان والعمل الصالح بإخراجهم عما كانوا عليه. أو ليخرج الله من علم أو قدر أنه سيؤمن، أو أطلق عليهم ﴿آمَنُوا﴾ باعتبار ما آل أمرهم إليه. ولم يقل (٣): ليخرجكم إظهارًا لشرف الإيمان والعمل والصالح، وبيانًا لسبب الإخراج وحثًا على التحقق بهما. ﴿مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾؛ أي: من الضلالة إلى الهدى، ومن الباطل إلى الحق، ومن الجهل إلى العلم، ومن الكفر إلى الإيمان؛ ومن الشبهات إلى الدلائل والبراهين، ومن الغفلة إلى اليقظة.

(١) روح البيان.
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon