والمعنى (١): أي قد أنزل الله سبحانه إليكم - يا ذوي البصائر - ذكرا لكم، وهو القرآن الكريم يذكركم به لتستمسكوا بحبله المتين، وتعملوا بطاعته، وأرسل إليكم رسولًا يتلو عليكم آيات هذا الكتاب الذي أنزل عليه، وهي واضحات لمن تدبرها وعقلها كي يخرج من لديه استعداد للهدى من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان إذا هو أمعن في النظر فيها، وأجال الفكر في أسرارها ومغازيها، فهي النبراس الساطع والضوء اللامع لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ثم بيّن جزاء الإيمان والعمل الصالح، فقال: ﴿وَمَنْ يُؤْمِنْ﴾ ويصدق ﴿بِاللَّهِ﴾ سبحانه وعظيم قدرته وبديع حكمته ﴿وَيَعْمَلْ﴾ عملًا ﴿صَالِحًا﴾؛ أي: خالصًا من الرياء والتصنع والغرض. وهو استئناف لبيان شرف الإيمان والعمل الصالح، ونهاية أمر من اتصف بهما، تنشيطًا وترغيبًا لغير أهلهما لهما؛ أي: ومن يجمع بين التصديق والعمل بما فرضه الله عليه مع اجتناب ما نهاه عنه ﴿يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ﴾ وبساتين ﴿تَجْرِي﴾ وتسيل ﴿مِنْ تَحْتِهَا﴾؛ أي: من تحت قصورها أو أشجارها ﴿الْأَنْهَارُ﴾ الأربعة المذكورة في سورة محمد - ﷺ -.
وقرأ الجمهور: ﴿يُدْخِلْهُ﴾ بالتحتية. وقرأ نافع، وابن عامر بالنون.
حال كونهم ﴿خَالِدِينَ﴾؛ أي: مقيمين ﴿فِيهَا﴾؛ أي: في تلك الجنات إقامة مؤبدة دائمين فيها. وهو حال من مفعول ﴿يُدْخِلْهُ﴾. والجمع (٢) باعتبار معنى ﴿مَنْ﴾ كما أن الإفراد في الضمائر الثلاثة باعتبار لفظها. ﴿أَبَدًا﴾ ظرف زمان بمعنى دائمًا غير منقطع، فيكون تأكيدًا للخلود؛ لئلا يتوهم أن المراد به المكث الطويل المنقطع آخرًا.
وجملة قوله: ﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾ في محل نصب على الحال من الضمير في ﴿خَالِدِينَ﴾ على التداخل، أو من مفعول ﴿يُدْخِلْهُ﴾ على الترادف. ومعنى ﴿قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا﴾؛ أي: وسع له رزقه في الجنة. وفيه (٣) معنى التعجب والتعظيم لما رزقه الله سبحانه المؤمنين من الثواب؛ لأن الجملة الخبرية إذا لم يحصل منها فائدة الخبر ولا لازمها.. تحمل على التعجب إذا اقتضاه المقام؛ كأنه قيل: ما أحسن
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.