قضاؤه وينفذ حكمه بين السماء السابعة التي هي أعلى السموات وبين الأرض السابعة التي هي أسفل الأرضين، ولا يقتضي ذلك أن لا يجري في العرش والكرسي؛ لأن المقام اقتضى ذِكر ما ذَكره، والتخصيص بالذِّكر لا يقتضي التخصيص بالحكم.
وقال قتادة: في كل أرض من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقه، وأمر من أمره، وقضاء من قضائه. وقيل: هو يدبر فيهن من عجيب تدبيره. فينزل المطر ويخرج النبات، ويأتي بالليل والنهار والصيف والشتاء ويخلق المخلوقات على اختلاف ألوانها وهيئاتها، فينقلهم من حالٍ إلى حال.
والمعنى: يجري أمر الله وقضاؤه وقدره، وينفذ حكمه فيهن، فهو يدبر ما فيها وفق علمه الواسع وحكمته في إقامة نظمها بحسب العدل والمصلحة.
و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ متعلق (١) بـ ﴿خَلَقَ﴾، أو بـ ﴿يَتَنَزَّلُ﴾ أو بما يعمهما؛ أي: فعل ذلك لتعلموا أن من قدر على ما ذكر.. قادر على كل شيء، ومنه البعث للحساب والجزاء، فتطيعوا أمره وتقبلوا حكمه، وتستعدوا لكسب السعادة والخلاص من الشقاوة. واللام لام المصلحة والحكمة؛ لأن فعله تعالى نجال عن العبث، لا لام الغرض، فإنه تعالى منزه عن الغرض؛ إذ هو لمن له الاحتياج، والله تعالى غني عن العالمين. ﴿و﴾ لتعلموا ﴿أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ كما أحاط به قدرة؛ لاستحالة صدور الأفعال المذكورة ممن ليس كذلك. والإحاطة: العلم البالغ، فلا يخرج عن علمه شيء منها كائنًا ما كان. ويجوز أن يكون العامل في اللام بيان ما ذكر من الخلق وتنزل الأمر؛ أي: أوحى ذلك وبينه لتعلموا بما ذكر من الأمور التي تشاهدونها والتي تتلقونها من الوحي من عجائب المصنوعات أنه لا يخرج عن علمه وقدرته شيء ما أصلًا. وقوله: ﴿عِلْمًا﴾ نصب على التمييز المحول عن الفاعل؛ أي: ﴿أَحَاطَ﴾ علمه بكل شيء كما في "عين المعاني أو على المصدر المؤكد لأن ﴿أَحَاطَ﴾ بمعنى علم؛ أي: وأن الله قد علم كل شيء علمًا، كما في "فتح الرحمن" أو على أنه صفة لمصدر محذوف؛ أي: أحاط إحاطة علمًا، كما في "الشوكاني".

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon