وفي هذا (١) تنبيه إلى أن ما صدر منه - ﷺ - لم يكن مما ينبغي لمقامه الشريف أن يفعله. وفي ندائه - ﷺ - بـ ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ﴾ في مفتتح العتاب حسن تلطف، وتنويه بشانه - ﷺ - على نحو ما جاء في قوله: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ﴾. ومعنى ﴿تُحَرِّمُ﴾: تمتنع، وليس التحريم المشروع بوحي من الله، وإنما هو امتناع لتطييب خاطر بعض أزواجه. وأصل ﴿لِمَ﴾ لما، والاستفهام لإنكار التحريم. وجملة ﴿تَبْتَغِي﴾ في محل نصب حال من فاعل ﴿تُحَرِّمُ﴾؛ أي: مبتغيًا به مرضاة أزواجك، أو مفسرة لقوله: ﴿تُحَرِّمُ﴾ أو مستأنفة.
﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾؛ أي: والله غفور لذنوب التائبين من عباده وقد غفر لك امتناعك عما أحله لك رحيم بهم أن يعاقبهم على ما تابوا منه من الذنوب، وإنما عاتبه على الامتناع من الحلال، وهو مباح سواء كان مع اليمين أو بدونه، تعظيمًا لقدره الشريف وإجلالًا لمنصبه أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه، جريًا على ما ألف من لطف الله به، وإيماء إلى أن ترك الأولى بالنسبة إلى مقامه السامي يعد كالذنب وإن لم يكن في نفسه كذلك.
واختلفوا (٢) فيما إذا قال لزوجته: أنت عليّ حرام، أو: الحلال عليّ حرام، ولا يستثني زوجته.
فقال جماعة - منهم الشعبي، ومسروق، وربيعة، وأبو سلمة، وأصبغ -: هو كتحريم الماء والطعام، وقال تعالى: ﴿لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ والزوجة من الطيبات ومما أحله الله تعالى.
وقال أبو بكر، وعمر، وزيد، وابن عباس، وابن مسعود، وعائشة، وابن المسيب، وعطاء، وسليمان بن يسار، وطاووس، وابن جبير، وقتادة، والحسن، والأوزاعي، وأبو ثور، وجماعة: هو يمين يكفرها.
وقال ابن مسعود، وابن عباس أيضًا في إحدى روايتيه وللشافعي في أحد قوليه: فيه تكفير يمين، وليس بيمين.

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon