وقال أبو حنيفة والكوفيون: هذا ما أراد من الطلاق، فإن لم يرد طلاقها.. فهو لا شيء.
وإنما جَمْعُ (١) ﴿الأزواج﴾ مع أن من أرضاها النبي - ﷺ - في هذه القصة عائشة وحفصة رضي الله عنهما، إما لأن إرضاءهما في الأمر المذكور إرضاء لكلهن؛ لأن النساء في طبقة واحدة في مثل تلك المغيرة؛ لأنهن جبلن عليها، أو لأن الجمع قد يطلق على الاثنين، أو للتحذير عن إرضاء من تطلب منه - ﷺ - ما لا يحسن وتلح عليه، أيتهن كانت؛ لأنه - ﷺ - كان حييًا كريمًا.
والجملة حال من ضمير ﴿تُحَرِّمُ﴾، كما مر، والمعنى: حال كونك مبتغيًا وطالبًا لرضى أزواجك، والحال أنهن أحق بابتغاء رضاك منك، فإنما فضيلتهن بك. فالإنكار وارد على مجموع القيد والمقيد دفعة واحدة، فمجموع الابتغاء والتحريم منك، نظيره قوله تعالى: ﴿لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً﴾. وفيه إشارة إلى فضل مارية والعسل. وفي الحديث: "أول نعمة ترفع من الأرض العسل"، وقد بين ذلك في سورة النحل.
﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ﴾؛ أي: مبالغ في الغفران، قد غفر لك وستر ما فعلت من التحريم وقصدت من الرضى؛ لأن الامتناع من الانتفاع بإحسان المولى الكريم يشبه عدم قبول إحسانه. ﴿رَحِيمٌ﴾ قد رحمك ولم يؤاخذك به، وإنما عاتبك محافظة على عصمتك. وقال في "كشف الأسرار": هذا أشد ماعوتب به رسول الله - ﷺ - في
القرآن.
٢ - ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ﴾؛ أي: قد شرع الله سبحانه وتعالى، وبين ﴿لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾؛ أي: تحليل أيمانكم وتكفيرها بالإطعام، أو الكسوة، أو العتق، أو الصوم على ما مر تفصيله في سورة المائدة. والفرض هنا بمعنى الشرع والتبيين؛ لأن ﴿فَرَضَ﴾ بمعنى أوجب إنما يتعدى بعلى. والتحلة: مصدر حلّل المضعف العين، أصله: تحللة، ككرّم تكرمة، وفرق تفرقة، والمراد: تحليل اليمين وفكها، كأن اليمين عقد والكفارة حلّ. يقال: حلّل اليمين تحليلًا: كفّرها؛ أي: فعل ما يوجبه الحنث.
والمعنى: قد بيّن الله لكم ما تنحل به عقدة اليمين من الكفارة في سورة

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon