المائدة، فكفروها إذا حنثتم وخالفتم ما حلفتم عليه بفعله أو تركه.
قال بعضهم (١): لَمْ يثبتْ عن رسول الله - ﷺ - أنه قال لِما أحله الله: هو حرام علي، وأنما امتنع من مارية ليمين تقدمت منه، وهو قوله: والله لا أقربها بعد اليوم، فقيل له: ﴿لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾؛ أي: لم تمتنع منه بسبب اليمين. يعني: أقدم على ما حلفت عليه، وكفر عن يمينك. وظاهر قوله تعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ أنه كانت منه يمين.
فإن قلت: هل كفر رسول الله لذلك؟
قلت: عن الحسن البصري أنه لم يكفر؛ لأنه كان مغفورًا له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وإنما هو تعليم للمؤمنين. وعن مقاتل: أنه أعتق رقبة في تحريم مارية وعاودها؛ لأنه لا ينافي كونه مغفورًا أن يكفر، فهو والأمة سواء في الأحكام ظاهرًا. وقرىء (٢): ﴿قد فرض الله لكم كفارة أيمانكم﴾، والمعنى: قد شرع الله لكم تحليل أيمانكم بالكفارة عنها، فعليك أن تكفر عن يمينك. وقد روي: أنه - ﷺ - كفر عن يمينه فأعتق رقبة، عبدًا أو أمة.
﴿وَاللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَوْلَاكُمْ﴾ أيها المؤمنون؛ أي: متولي أموركم بنصركم على أعدائكم، ومسهل لكم سبيل الفلاح في دنياكم وآخرتكم، ومنير لكم طوق الهداية إلى ما فيه سعادتكم في معاشكم ومعادكم. ﴿وَهُوَ﴾ سبحانه ﴿الْعَلِيمُ﴾ بما يصلحكم، فيشرعه لكم. ﴿الْحَكِيمُ﴾ في تدبير أموركم، فلا يأمركم ولا ينهاكم إلا وفق ما تقتضيه المصلحة.
٣ - ثم ساق ما هو كالدليل على علمه، فقال: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ﴾ والإسرار (٣): ضد الإعلان، والسر: هو الحديث المكتم في النفس، ويقال: أسررت إلى فلان حديثًا: أفضيت به إليه في خفية. فالإسرار إلى الغير يقتضي إظهار ذلك لمن يفضي إليه السر، وإن كان يقتضي إخفاءه من غيره. فإذًا قولهم: أسررت إلى فلان، يقتضي من وجه الإظهار ومن وجه الإخفاء.
و ﴿النَّبِيُّ﴾: هو رسول الله، فإن اللام للعهد. و ﴿إذ﴾: ظرف متعلق بمحذوف؛ أي: اذكر الحادث وقت الإسرار، والأكثر المشهور أنه مفعول به؛ أي:
(٢) المراح.
(٣) روح البيان.