والظاهر (١): أن ﴿صالح﴾ مفرد، ولذلك كتبت الحاء بدون واو الجمع، ومنهم من جوز كونه بالواو والنون، وحدفت النون بالإضافة وسقطت واو الجمع في التلفقظ لالتقاء الساكنين، وسقطت في الكتابة أيضًا حملًا للكتابة على اللفظ، نحو ﴿وَيَمْحُ اللَّهُ الْبَاطِلَ﴾، ﴿وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ﴾، و ﴿سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (١٨)﴾ إلى غير ذلك. وعلى تقدير عطف ﴿جبريل﴾ وما بعده على اسم إن يكونان داخلين في الولاية لرسول الله - ﷺ -، ويكون ﴿جبريل﴾ أيضًا ظهيرًا له بدخوله في عموم الملائكة. ويجوز أن يكون الكلام قد تم عند قوله: ﴿مَوْلَاهُ﴾، ويكون ﴿جبريل﴾ مبتدأ، وما بعده. عطفًا عليه، و ﴿ظَهِيرٌ﴾ خبر للجميع، فتختص الولاية بالله. وقد تقرر في علم النحو: أن فعيل كظهير وجريح وخبير، يستوي فيه المفرد والمثنى والجمع.
قيل: المراد بصالح المؤمنين: أبو بكر وعمر، وقيل: علي بن أبي طالب، وقيل: الأنبياء. وقال السهيلي: لفظ الآية عام، فالأولى حملها على العموم.
قال بعضهم: لعل ذكر غير الله مع أن الإخبار بكونه تعالى مولاه كاف في تهديدهما لتذكير كمال رفعة شأن النبي - ﷺ - عند الله وعند الناس وعند الملائكة أجمعين.
ويقول الفقير - أمده الله القدير - هذا ما قالوا، والظاهر: أن الله مع كفاية نصرته ذكر بعد نفسه من كان أقوى في نصرته - ﷺ - من المخلوقات؛ لكون المقام مقام التظاهر، لكون عائشة وحفصة متظاهرتين. وزاد في الظهير لكون المقام مقام التهديد أيضًا، وقدم ﴿جبريل﴾ على الصلحاء لكونه أول نصير له - ﷺ - من المخلوقات وسفيرًا بينه وبين ربه سبحانه. وقدم الصلحاء على الملائكة لفضلهم عليهم في باب النصرة؛ لأن نصرة الملائكة نصرة بالفعل القالبي، ونصرة الصلحاء نصرة به وبالهمة، وهي أشد، وما يفيده البعدية من أفضلية تظاهرهم على تظاهر الصلحاء، فمن حيث الظاهر؛ إذ هم أقدر على الأفعال الشاقة من البشر، فاقتضى مقام التهديد ذكر البعدية.
ومعنى الآية: أي إن تتوبا من ذنبكما، وتقلعا عن مخالفة رسوله - ﷺ -،

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon