فتحبا ما أحبه وتكرها ما كرهه.. فقد مالت قلوبكما إلى الحق والخير، وأديتما ما يجب عليكما نحوه - ﷺ - من إجلال وتكريم لمنصبه الشريف. ثم ذكر سبحانه أنه حافظه وحارسه، فلا يضره أذى مخلوق، فقال: ﴿وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ...﴾ إلخ؛ أي: وإن تتعاونا على العمل بما يؤذيه ويسؤوه، من الإفراط في الغيرة وإفشاء سره.. فلن يضره ذلك شيئًا؛ فإن الله ناصره في أمر دِينه وسائر شؤونه على كل من يتصدى لما يكرهه، وجبريل والمؤمنون الصالحون والملائكة مظاهرون له ومعينون.
وقد أعظم (١) الله سبحانه شأن نصرة نبيه على هاتين الضعيفتين للإشارة إلى عظم مكر النساء، وللمبالغة في قطع أطماعهما، في أنه ربما شفع لهما مكانتهما عند رسول الله - ﷺ - وعند المؤمنين لأمومتهما لهم، وكرامة له - ﷺ -، ورعاية لأبويهما، ولتوهين أمر تظاهرهما، ودفع ما عسى أن يتوهمه المنافقون من ضرره في أمر النبوة، وقهر أعداء الدين؛ إذ قد جرت العادة بأن الشؤون المنزلية تشغل بال الرجال، وتضيع زمنًا في تفكيرهم فيها، وقد كانوا أحق بالتفكير فيما هو أجدى نفعًا وأجل فائدة.
٥ - ثم شرع سبحانه في تخويفهما، بأن ذكر لهما أنه - ﷺ - يحتمل أن يطلقكما، ثم إنه إن طلقكما لا يعود ضرر ذلك إلا إليكما؛ لأنه يبدله أزواجًا خيرًا منكما، فقال: ﴿عَسَى رَبُّهُ﴾؛ أي: حقق رب محمد - ﷺ - ﴿إِنْ طَلَّقَكُنَّ﴾ وهذا شرط معترض بين اسم ﴿عَسَى﴾ وخبرها، وجوابه محذوف تقديره: إن طلقكن.. يبدله أزواجًا خيرًا منكن، أو متقدم على ﴿عَسَى﴾؛ أي: إن طلقكن.. فعسى أن يبدله. ﴿أَنْ يُبْدِلَهُ﴾؛ أي: أن يعطي الله سبحانه محمدًا - ﷺ - بدلكن ﴿أَزْوَاجًا﴾ مفعول ثان ليبدله وقوله: ﴿خَيْرًا مِنْكُنَّ﴾ صفة للأزواج، وكذا ما بعده من قوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ إلى ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾. وفيه تغليب المخاطب على الغائبات، فالتقدير: إن طلقكما وغيركما، أو تعميم الخطاب لكل الأزواج بأن يكن كلهن مخاطبات لما عاتبهما بأنه قد صغت قلوبكما، وذلك يوجب التوبة.
فإن قلت: كيف أثبت الخيرية لهن بالصفات المذكورة بقوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ إلى