آخره مع اتصاف أزواجه - ﷺ - بها أيضًا؟
قلت: المراد خيرًا منكن في حفظ قلبه ومتابعة رضاه مع اتصافهن بهذه الصفات.
وليس (١) في الآية ما يدل على أنه - ﷺ - لم يطلق حفصة، وعلى أن النساء خيرًا منهن، فإن تعليق الطلاق للكل لا ينافي تطليق واحدة، وما علق بما لم يقع لا يجب وقوعه. يعني: أن هذه الخيرية لما علقت بما لم يقع لم تكن واقعة في نفسها، وكان الله عالمًا بأنه - ﷺ - لا يطلقهن، ولكن أخبر عن قدرته على أنه إن طلقهن.. أبدله خيرًا منهن، تخويفًا لهن، كقوله تعالى: ﴿وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾، فإنه إخبار عن القدرة وتخويف لهم، لا أن في الوجود من هو خير من أصحاب محمد - ﷺ -.
قيل: كل ﴿عَسَى﴾ في القرآن واجب إلا هذا. وقيل: هو أيضًا واجب، ولكن الله علقه بشرط، وهو: التطليق، ولم يطلقهن. وفي "فتح الرحمن": ﴿عَسَى﴾ تكون للوجوب في ألفاظ القرآن إلا في موضعين:
أحدهما: في سورة محمد ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ﴾؛ أي: علمتم أو تمنيتم.
والثاني: هنا، ليس بواجب؛ لأن الطلاق معلق بالشرط، فلما لم يوجد الشرط.. لم يوجد الإبدال، انتهى.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿طَلَّقَكُنَّ﴾ بفتح القاف، وقرأ أبو عمرو في رواية ابن عباس بإدغامها في الكاف.
ثم وصف سبحانه الأزواج بقوله: ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾؛ أي: مقرات باللسان ﴿مُؤْمِنَاتٍ﴾؛ أي: مخلصات بالجَنان.. فليس من قبيل التكرار - أو منقادات انقيادًا ظاهريًا بالجوارح مصدقات بالقلوب، أو قائمات بفرائض الإسلام، مصدقات بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبا لقدر خيره وشره. ﴿قَانِتَاتٍ﴾؛ أي: مطيعات؛ أي: مواظبات على الطاعة، أو مصليات ﴿تَائِبَاتٍ﴾ من الذنوب ﴿عَابِدَاتٍ﴾؛ أي: متعبدات، أو متذللات لأمر الرسول - ﷺ - ﴿سَائِحَاتٍ﴾؛ أي:

(١) روح البيان.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon