وعن ابن عباس: هي حجارة الكبريت، وهي أشد الأشياء حرًا إذا أوقد عليها، ولها سرعة الاتقاد ونتن الرائحة وكثرة الدخان وشدة الالتصاق بالأبدان، فيكون العذاب أشد. وقيل: وقودها الناس إذا صاروا إليها، والحجارة قبل أن يصيروا إليها. وقرن الناس بالحجارة لأنهم نحتوها، واتخذوها أربابًا من دون الله، قال تعالى: ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾.
والمعنى (١): يا أيها الذين صدقوا بالله ورسوله! ليعلم بعضكم بعضًا ما تتقون به النار وتدفعونها عنكم، إنه طاعة الله تعالى وامتثال أوامره، ولتعلموا أهليكم من العمل بطاعته ما يقون به أنفسهم منها، واحملوهم على ذلك بالنصح والأدب. قال ابن جرير: فعلينا أن نعلم أولادنا الدِّين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب. ونحو الآية: قوله تعالى: ﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا﴾، وقوله: ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾. روي: أن عمر - رضي الله عنه - قال حين نزلت هذه الآية: نقي أنفسنا، فكيف لنا بأهلينا؟ فقال النبي - ﷺ -: "تنهونهن عما نهاكم الله عنه، وتأمرونهن بما أمركم الله به، فيكون ذلك وقاية بينهم وبين النار". وأخرج ابن المنذر، والحاكم في جماعة آخرين عن علي رضي الله عنه: أنه قال في الآية: علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم.
وفي الآية إيماء إلى أنه يجب على الرجل تعلم ما يجب من فرائض الدين وتعليمها لؤلاء. وجاء في الحديث: "رحم الله رجلًا قال: يا أهلاه! صلاتَكم، صيامَكم، زكاتَكم، مسكينَكم، يتيمَكم، جيرانَكم؛ لعل الله يجمعكم معهم في الجنة.
﴿عَلَيْهَا﴾؛ أي: على تلك النار العظيمة ﴿مَلَائِكَةٌ﴾ تلي أمرها وتعذيب أهلها، وهم: الزبانية التسعة عشر وأعوانهم، فليس (٢) المراد بـ ﴿على﴾ الاستعلاء الحسي، بل الولاية والقيام، والاستيلاء والغلبة على ما فيها من الأمور. ﴿غِلَاظٌ﴾؛ أي: غلاظ القلوب. جمع غليظ، بمعنى خشن خال قلبه من الشفقة والرحمة. ﴿شِدَادٌ﴾؛ أي: شداد القوى. جمع شديد، بمعنى القوي؛ لأنهم أقوياء لا يعجزون عن الانتقام من أعداء الله على ما أمروا به. وقيل: غلاظ الأقوال، شداد الأفعال،

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon