أعداء الله من حسن الخلق، فإن أشفق الخلق إذا كان مأمورًا بالغلظة عليهم، فما
ظنك بغير؟ فهي لا تنافي الرحمة على الأحباب. كما قال تعالى: ﴿أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾. ﴿وَمَأْوَاهُمْ﴾؛ أي: مقرهم ومنزلهم في الآخرة ﴿جَهَنَّمُ﴾ ومصيرهم إليها، سيرون فيها عذابًا غليظًا. ﴿وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾؛ أي: المرجع الذي يرجعون إليه. والمخصوص بالذم جهنم وفيه تصريح بما علم التزامًا مبالغة.
يقول الفقير: إذا كان الأعداء الظاهرون يحتاجون إلى الغلظة والشدة.. فما ظنك بأعدى الأعداء، وهي النفس الأمارة بالسوء، ففي الغلظة عليها نجاة، وفي اللين هلاك، وفي المثل: العصا لمن عصا.
والمعنى (١): أي جاهد الكفار بالسيف، وقاتلهم قتالًا لا هوادة فيه، وجاهد المنافقين بالإنذار والوعيد وبيان سوء المنقلب وعنفهم بفضيحة عاجلة تبين قبح طواياهم وخبث نفوسهم كما حدث منه - ﷺ - في المسجد الجامع لبعض المنافقين على ملأ من الناس، فقال: اخرج يا فلان، اخرج يا فلان، وأخرج منهم عددًا كثيرًا، ثم بيّن سوء عاقبتهم، فقال: ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾؛ أي: وسيكون مسكنهم جهنم وبئس المثوى والمقيل.
١٠ - ﴿ضَرَبَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَثَلًا﴾؛ أي: شبهًا. وهو المفعول الثاني لضرب؛ لأنه بمعنى: جعل، و ﴿اللام﴾ في قوله: ﴿لِلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ متعلق بـ ﴿مَثَلًا﴾، وقوله: ﴿امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ﴾؛ أي: حالهما. مفعوله الأول أخِّر عنه ليتصل به ما هو شرح وتفسير لحالهما، ويتضح بذلك حال هؤلاء الكفرة.
وضرب المثل (٢) في أمثال هذه المواضع عبارة عن إيراد حالة غريبة ليعرف بها حالة أخرى مماثلة لها في الغرابة؛ أي: ضرب الله سبحانه وجعل حال امرأة نوح وامرأة لوط مثلًا وشبهًا لحال هؤلاء الكفرة في خيانتهم لرسول الله - ﷺ - بالكفر والعصيان مع تمكنهم التام من الإيمان والطاعة. وامرأة نوح هي: واعلة بالعين المهملة، أو والعة. وامرأة لوط هي: واهلة بالهاء. ﴿كَانَتَا﴾؛ أي: كانت المرأتان ﴿تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ﴾ بيان لحالهما الداعية لهما إلى الخير
(٢) روح البيان.