أحسن قول من قال (١): إن ذكر امرأتي النبيين بعد ذكر قصتهما ومظاهرتهما على رسول الله - ﷺ - يرشد أتم إرشاد ويلوح أبلغ تلويح إلى أن المراد تخويفهما مع سائر أمهات المؤمنين، وبيان أنهما وإن كانتا تحت عصمة خير خلق الله، وخاتم رسله.. فإن ذلك لا يغني عنهما من الله شيئًا، وقد عصمهما الله تعالى عن ذنب تلك المظاهرة بما وقع منهما من التوبة الصحيحة الخالصة.
ومعنى الآية (٢): أي ضرب الله مثلًا يبين به حال الكافرين الذين لم ينتفعوا بعظات المؤمنين الصادقين من النبيين والمرسلين؛ لظلمة قلوبهم وسوء استعدادهم وفساد فطرتهم، امرأة نوح وامرأة لوط؛ إذ كانتا في عصة نبيّين يمكنهما أن ينتفعا بهديهما ويحصلا ما فيه سعادتهما في معاشهما ومعادهما، لكنهما أبتا ذلك وعملتا ما يدل على الخيانة والكفر، فاتهمت الأولى زوجها بالجنون، وكانت الثانية ترشد قوم لوط إلى ضيوفه لمآرب خبيثة، فلم يدفع عنما قربهما من ذينك العبدين الصالحين شيئًا، وحاق بهما سوء ما عملتا، وسيحل بهما عقاب الله، وسيدخلان النار في زمرة داخليها، جزاء وفاقًا لما اجترحتا من السيئات وما دستا به أنفسهما من كبير الآثام وعظيم المعاصي.
١١ - وبعد أن ضرب مثلًا يبين به أن وصلة الكافرين بالمؤمنين لا تفيدهم شيئًا.. أرشد إلى عكس هذا، فأفاد أن اتصال المؤمنين بالكافرين لا يضرهم شيئًا، فقال: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ﴾ سبحانه وتعالى ﴿مَثَلًا﴾ مفعول ثان، قدمه للاهتمام به. ﴿لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ﴾؛ أي: جعل الله حالها مثلًا لحال المؤمنين، ترغيبًا لهم في الثبات على الطاعة والتمسك بالدين والصبر في الشدة، وأن وصلة الكفار وصولتهم لا تضرهم كما لم تضر امرأة فرعون، وقد كانت تحت أكفر الكافرين، وصارت بإيمانها بالله سبحانه في أعلى غرف الجنان. والمراد بها: آسية بنت مزاحم. يقال: رجل آسي وامرأة آسية، من الأسى. وهو الحزن. قال بعضهم: الحزن حلية الأدباء، ومن لم يذق طعام الحزن.. لم يذق لذة العبادة على أنواعها. أو من الأسو، وهو: المداوة، والآسي - بالمد -: الطبيب.
﴿إِذْ قَالَتْ﴾: ظرف للمثل المذكور؛ أي: ضرب الله مثلًا للمؤمنين حالها إذ

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon