قالت: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي﴾ (١) على أيدي الملائكة، أو بيد قدرتك، فإنه روي: أن الله تعالى خلق جنة عدن بيده من غير واسطة، وغرس شجرة طوبى بيده. ﴿عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾؛ أي: قريبًا من رحمتك، على أن الظرف حال من ضمير المتكلم، أو ابن لي في أعلى درجات المقربين، فيكون ﴿عند﴾ ظرفًا للفعل، و ﴿فِي الْجَنَّةِ﴾ صفة لـ ﴿بَيْتًا﴾. وفي "عين المعاني": ﴿عِنْدَكَ﴾؛ أي: من عندك بلا استحقاق مني بل كرامة منك. وروي: أنها لما قالت ذلك.. رفعت الحجب حتى رأت بيتها في الجنة من درة بيضاء، وانتزع روحها. ﴿وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ﴾ الجاهل ﴿وَعَمَلِهِ﴾ الباطل؛ أي: من نفسه الخبيثة وسوء جوارها، ومن عمله السيء الذي هو كفره ومعاصيه. ﴿وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾؛ أي: من القبط التابعين له في الظلم. روي: أنه لما غلب موسى عليه السلام السحرة.. آمنت امرأة فرعون، وقيل: هي عمّة موسى آمنت به، فلما تبين لفرعون إسلامها طلب منها أن ترجع عن إيمانها، فأبت، فأوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وربطها، وألقاها في الشمس وأراها الله بيتها في الجنة، ونسيت ما هي فيه من العذاب، فضحكت، فعند ذلك قالوا: هي مجنونة، تضحك وهي في العذاب!
وأخرج ابن أبي شيبة (٢)، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في "الشعب" عن سلمان قال: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس، فإذا انصرفوا عنها.. أظلتها الملائكة بأجنحتها، وكانت ترى بيتها في الجنة.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي هريرة: إن فرعون وَتَدَ لامرأته أربعة أوتاد، وأضجعها على ظهرها، وجعل على صدرها رحى، واستقبل بها عين الشمس، فرفعت رأسها إلى السماء ﴿قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾ إلى قوله: ﴿مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾، ففرج الله لها عن بيتها في الجنة، فرأته. وقيل: اشتاقت إلى الجنة وملت من صحبة فرعون، فسألت ذلك. وفيه دليل على أن الاستعاذة بالله والالتجاء إليه ومسالة الخلاص منه عند المحن والنوازل من سير الصالحين وسنن الأنبياء والمرسلين.
(٢) الشوكاني.