وذكر (١) المفسرون أنواعًا مضطربة في تعذيبها، وليس في القرآن نص بأنها عذبت، والله أعلم. وقال بعض الظرفاء، وقد سئل أين في القرآن مثل قولهم: الجار قبل الدار؟ قال: قوله تعالى: ﴿ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾، فـ ﴿عِنْدَكَ﴾ هو المجاورة، و ﴿بَيْتًا﴾ في الجنة هو الدار، وقد تقدم ﴿عِنْدَكَ﴾ على قوله: ﴿بَيْتًا﴾.
ومعنى الآية (٢): أي وجعل الله حال امرأة فرعون مثلًا يبين به أن وصلة المؤمنين بالكافرين لا تضرهم شيئًا إذا كانت النفوس خالصة من الأكدار؛ فقد كانت تحت أعدى أعداء الله في الدنيا، وطلبت النجاة منه ومن عمله، وقالت في دعائها: رب اجعلني قريبًا من رحمتك، وابن لي بيتًا في الجنة، وخلصني من أعمال فرعون الخبيثة، وأنقذني من قومه الظالمين. وفي هذا دليل على أنها كانت مؤمنة مصدقة بالبعث، ومن سنن الله أن: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾ وأن لكل نفس ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
١٢ - وقوله تعالى: ﴿وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾ معطوف على امرأة فرعون. وجمع في التمثيل بين التي لها زوج والتي لا زوج لها نسلية للأرامل وتطييبًا لأنفسهن. وسميت مريم في القرآن باسمها في سبعة مواضع، ولم يسم غيرها من النساء؛ لأنها أقامت نفسها في الطاعة كالرجل الكامل. ومريم بمعنى العابدة. وقد سمى الله أيضًا زيدًا في القرآن كما سبق في سورة الأحزاب. وقرأ الجمهور: ﴿ابْنَتَ﴾ بفتح التاء، وأيوب السختياني: ﴿ابنه﴾ بسكون الهاء وصلًا، إجراء مجرى الوقف.
والمعنى (٣): وضرب الله سبحانه مثلًا للذين آمنوا حال مريم ابنة عمران والدة عيسى عليهما السلام، وما أوتيت من كرامة الدنيا والآخرة والاصطفاء على نساء العالمين مع كون قومها كفارًا. ﴿الَّتِي أَحْصَنَتْ﴾ وحفظت ﴿فَرْجَهَا﴾ عن مساس الرجال مطلقًا، حرامًا وحلالًا على آكد الحفظ. والاحصان: العفاف. والفرج: ما بين الرِّجْلَين، وكنى به عن السوءة وكثر حتى صار كالصريح فيه. قال بعضهم: صانته عن الفجور كما صان الله آسية عن مباشرة فرعون؛ لأنه كان عنّينًا - وهو من لا يقدر على الجماع لمرض أو كبر سن، أو يصل إلى الثيب دون البكر - فالتعبير عن آسية بالثيب كما مرّ في ﴿ثَيِّبَاتٍ﴾ لكونها في صورة الثيب من حيث إن لها بعلًا.

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon