وقال السهيلي: إحصان الفرج معناه: طهارة الثوب، يريد فرج القميص؛ أي: لم يعلق بثوبها ريبة؛ أي: إنها طاهرة الأثواب، فكنى بإحصان فرج القميص عن طهارة الثوب من الريبة. وفروج القميص أربعة: الكمان، والأعلى، والأسفل، فلا يذهبن وهمك إلى غير هذا؛ لأن القرآن أنزه معنى وأوجز لفظًا وألطف إشارة وأحسن عبارة من أن يريد ما ذهب إليه وهم الجاهل، انتهى. قال في "الكشاف": ومن بدع التفاسير: أن الفرج هو حبيب الدرع ومعنى أحصنته: منعته.
﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾: ﴿الفاء﴾: للسببية. والنفخ: نفخ الريح في الشيء؛ أي: فنفخنا بسبب ذلك في فرجها، على أن يكون المراد بالفرج هنا الجيب. وقال السجاوندي في "عين المعاني": أي فيما انفرج من جيبها، وكذا قال أبو القاسم في "الأسئلة": ولم يقل: فيها؛ لأن المراد بالكناية حبيب درعها، وهو إلى التذكير أقرب، فيكون قوله: ﴿فِيهِ﴾ من باب الاستخدام؛ لأن الظاهر: أن المراد بلفظ الفرج العضو، وأريد بضميره معنى آخر للفرج، ومنه قوله تعالى: ﴿وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ﴾. وكذا يكون إسناد النفخ إلى الضمير مجازيًا؛ أي: نفخ جبريل بأمرنا، وهو إنما نفخ في حبيب درعها. ﴿مِنْ رُوحِنَا﴾؛ أي (١): من روح خلقناه بلا توسط أصل. وأضاف الروح إلى ذاته تعالى، تفخيمًا لها ولعيسى، كقوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِيَ﴾، وفي سورة الأنبياء ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا﴾؛ أي: في مريم؛ أي: أحيينا عيسى في جوفها من الروح الذي هو من أمرنا. وقال بعضهم: أحيينا في فرجها، وأوجدنا في بطنها ولدًا من الروح الذي هو بأمرنا وحده، بلا سببية أصل وتوسل نسل على العادة العامة، أو من جهة روحنا جبريل؛ لأنه نفخ من حبيب درعها، فوصل النفخ إلى جوفها. أو ففعلنا النفخ فيه. وقرىء: ﴿فيها﴾ على وفاق ما في سورة الأنبياء؛ أي: في مريم، والمآل واحد، انتهى.
يقول الفقير: يلوح لي هاهنا سر خفي، وهو: أن النفخ وإن كان في الجيب إلا أن عيسى لما كان متولدًا من الماءين: الماء المتحقق، وهو ماء مريم، والماء المتوهم، وهو ما حصل بالنفخ.. كان النفخ في الجيب بمنزلة صب الماء في الفرج، فالروح المنفوخ في الجيب كالماء المصبوب في الفرج، والماء المصبوب،