وإن لم يكن الروح عينه إلا أنه في حكم الروح؛ لأنه يخلق منه الروح، ولذا قال تعالى: ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾؛ أي: في الفرج، سواء قلت: إنه فرج القميص أو العضو، فاعرف، ولا يقبله إلا الألباء الربانيون.
وقرأ الجهور (١): ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾؛ أي: في الفرج. وقرأ عبد الله: ﴿فيها﴾ كما في سورة الأنبياء؛ أي: في الجملة.
﴿وَصَدَّقَتْ﴾ معطوف على ﴿أَحْصَنَتْ﴾، ﴿بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾؛ أي: بالصحف المنزلة على الأنبياء عليهم السلام. وفي "كشف الأسرار": يعني بالشرائع التي شرعها الله تعالى لعباده بكلماته المنزلة. ويقال: صدقت بالبشارات التي بشر بها جبريل، وهي: قول جبريل لها: ﴿قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾. وقال مقاتل: يعني بالكللمات: عيسى. ﴿وَكُتُبِهِ﴾؛ أي: بجميع كتبه المنزلة الشاملة للصحف وغيرها من الكتب الإلهية، متقدمة أو متأخرة. ﴿وَكَانَتْ﴾ مريم ﴿مِنَ﴾ ﴿الْقَانِتِينَ﴾؛ أي: من عداد المواظبين على الطاعة. فـ ﴿مِنْ﴾ للتبعيض. وفي "عين المعاني": من المطيعين المعتكفين في المسجد الأقصى. وقال عطاء: من المصلين، كانت تصلي بين المغرب والعشاء، أو كانت من القانتين؛ أي: من نسلهم، يريد رهطها وعشيرتها الذين كانت منهم، وكانوا مطيعين أهل بيت صلاح وطاعة؛ لأنها من أعقاب هارون أخِ موسى عليه السلام. فـ ﴿مِنْ﴾ لابتداء الغاية. وقال: ﴿مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ ولم يقل: من القانتات؛ لتغليب الذكور على الإناث، وللإشعار بأن طاعتها لم تقصر عن طاعات الرجال حتى عدت من جملتهم.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَصَدَّقَتْ﴾ بتشديد الدال. وقرأ يعقوب وأبو مجلز، وقتادة، وعصمة عن عاصم بتخفيفها؛ أي: كانت صادقة بما أخبرت به من أمر عيسى عليه السلام، وما أظهر الله له من الكرامات.
وقرأ الجمهور: ﴿بِكَلِمَاتِ﴾ جمعًا، فاحتمل أن تكون الصحف المنزلة على إدريس وغهره، وسماها كلمات لقصرها ويكون المراد: بكتبه الكتب الأربعة، ويحتمل أن تكون الكلمات ما صدر في أمر عيسى عليه السلام. وقرأ الحسن،

(١) البحر المحيط.
(٢) البحر المحيط.


الصفحة التالية
Icon