ومجاهد، والجحدري: ﴿بكلمة﴾ على التوحيد، فاحتمل أن يكون اسم جنس، واحتمل أن تكون كناية عن عيسى؛ لأنه قد أطلق عليه أنه كلمة الله ألقاها إلى مريم.
وقرأ أبو عمرو وحفص: ﴿وكتبه﴾ جمعًا، ورواه كذلك خارجة عن نافع. وقرأ باقي السبعة: ﴿وكتابه﴾ على الإفراد، فاحتمل أن يراد به الجنس وأن يراد به الإنجيل، لا سيما إن فسرت الكلمة بعيسى. وقرأ أبو رجاء: ﴿وكتبه﴾ بسكون التاء. قال ابن عطية مرادًا به الإنجيل والتوراة. وقال صاحب "اللوامح": وقرأ أبو رجاء: ﴿وكَتْبه﴾ بفتح الكاف وهو مصدر أقيم مقام الاسم. وقال سهل: ﴿وَكَتْبه﴾ أجمع من كتابه؛ لأن فيه وضع المضاف موضع الجنس، فالكتب عام والكتاب هو الإنجيل فقط.
ومعنى الآية (١): أي وضرب الله مثلًا للذين آمنوا حال مريم - وما أوتيت من كرامة الدنيا وكرامة الآخرة، فاصطفاها ربها مع أن أكثر قومها كانوا كفارًا من قبل - أنها منعت حبيب درعها جبريل عليه السلام، وقالت له: ﴿إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾. فأثبتت بذلك عفتها وكمال طهارتها، فنفخ جبريل فيه، فحملت بنبي الله وكلمته عيسى صلوات الله عليه، وصدقت بشرائع الله وكتبه التي أنزلها على أنبيائه وكانت في عداد القانتين العابدين المخبتين لربهم المطيعين له.
روى أحمد في "مسنده": "سيدة نساء أهل الجنة: مريم، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم عائشة". وفي "الصحيح": "كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع: آسية بنت مزاحم امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، وفضل عائشة كفضل الثريد على سائر الطعام"، وإنما فضل الثريد لأنه مع اللحم غذاء جامع بين اللذة وسهولة التناول وقلة المؤنة في المضغ وسرعة المرور على المريء، فضربه مثلًا ليؤذن بأنها رضي الله عنها أعطيت مع حسن الخلق حلاوة المنطق وفصاحة الكلام، وجودة القريحة ورزانة الرأي ورصانة العقل، والتحبب للبعل، وبحسبك أنها عقلت من النبي - ﷺ - ما لم يعقل غيرها من النساء، وروت ما لم يرو مثله الرجال.

(١) المراغي.


الصفحة التالية
Icon