الشام أول الحشر، والحشر معناه: إخراج جمع من مكان إلى آخر، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط، إذ كان انتقالهم من بلاد الشام إلى جانب المدينة عن اختيار منهم، وهم أول في أخرج به من جزيرة العرب إلى الشام، فعلى هذا الوجه ليس الأول مقابلًا للآخر.
وسميت جزيرة؛ لأنه أحاط بها بحر الحبشة وبحر فارس ودجلة والفرات. قال الخليل بن أحمد: مبدأ الجزيرة من حفر أبي موسى، إلى اليمن في الطول، ومن رمل بِبِريش - وهو موضع بحذاء الإِحساء - إلى منقطع السماوة في العرض. والسماوة بالفتح: موضع بين الكوفة والشام. أو يقال: هذا أول حشرهم، وآخر حشرهم إجلاء عمر - رضي الله عنه - إياهم من خيبر إلى الشام، وذلك حين بلغه الخبر عن النبي - ﷺ -: "لا يبقين دينان في جزيرة العرب". وقيل: آخر الحشر: حشر جمع الناس يوم القيامة؛ لأن المحشر يكون بالشام. قال عكرمة: من شك أن المحشر يوم القيامة في الشام.. فليقرأ هذه الآية، فإن النبي - ﷺ - لما قال لهم: "اخرجوا".. قالوا: إلى أين؛ قال: "إلى أرض المحشر". قال ابن العربي: الحشر أوّل وأوسط وآخر. فالأول: إجلاء بني النضير، والأوسط: إجلاء أهل خيبر، والآخر: يوم القيامة، انتهى.
﴿مَا ظَنَنْتُمْ﴾ أيها المسلمون ﴿أَنْ يَخْرُجُوا﴾؛ أي (١): أن يخرج بنو النضير من ديارهم وبيوتهم بهذا الذل والهوان؛ بشدة بأسهم ووثاقة حصونهم؛ لأنهم كانوا أهل حصون مانعة، وعقار ونخيل واسعة، وأهل عَدد كثيرة وعُدد وافرة. ﴿وَظَنُّوا﴾؛ أي: ظن بنو النضير ظنًا قويًا هو بمرتبة اليقين؛ لأن ﴿أَنْ﴾ لا تقع إلا بعد فعل اليقين أو ما نزل منزلته. ﴿أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ﴾ وحافظتهم ﴿حُصُونُهُمْ﴾ وقلاعهم ﴿مِنَ﴾ بأس ﴿اللَّهِ﴾ وعذابه وبطشه؛ أي: وظن بنو النضير أن حصونهم تمنعهم من بأس الله وقهره وبطشه. وقوله: ﴿مَانِعَتُهُمْ﴾ خبر مقدم، ﴿حُصُونُهُمْ﴾ مبتدأ مؤخر، والجملة خبر ﴿أَنَّهُمْ﴾. وقدم الخبر وأسند الجملة إلى ضميرهم للدلالة على فرط وثوقهم بحصانتها واعتقادهم في أنفسهم في عزة ومنعة لا يبالى بسببها، فتقديم المسند يفيد قصر المسند إليه على المسند. فإن معنى قائم زيد: أن زيدًا مقصور على القيام لا

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon