يتجاوزه إلى القعود، وكذا معنى الآية: أن حصونهم ليس لها صفة غير المانعية، ويجوز أن يكون ﴿مَانِعَتُهُمْ﴾ خبر ﴿أَنَّهُمْ﴾، و ﴿حُصُونُهُمْ﴾ فاعل ﴿مَانِعَتُهُمْ﴾ لاعتماده على المبتدأ. ورجح الثاني أبو حيان، والأول أولى.
فإن قيل: ما المانع من جعل ﴿مَانِعَتُهُمْ﴾ مبتدأ ﴿حُصُونُهُمْ﴾ خبرًا، فإن كليهما معرفة؟
قلت: كون ﴿مَانِعَتُهُمْ﴾ نكرةً؛ لأن إضافتها غير مخصصة، وأن القصد إلى الإخبار عن الحصون.
﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ﴾؛ أي: أتى بني النضير أمرُ الله وقدره المقدور لهم ﴿مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ ولم يظنوا ولم يخطر ببالهم؛ أي: أتاهم أمر الله من حيث لم يخطر ببالهم أنه يأتيهم أمره من تلك الجهة، وهو: أنه سبحانه أمر نبيه - ﷺ - بقتالهم وإجلائهم، وكانوا لا يظنون ذلك. وقيل: هو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف غرة على يد أخيه، قاله ابن جريج، والسدي، وأبو صالح؛ فإنّ قَتْلَهُ ممَّا أضعف قوتهم، وقيل شوكتهم، وسلب قلوبهم الأمن والطمأنينة بما قذف فيها من الرعب. و ﴿الفاء﴾: إما للتعقيب إشارة إلى أن البأس لم يكن متراخيًا عن ظنهم، أو للسبب إشارة إلى أنهم إنما أخذوا بسبب إعجابهم بأنفسهم وقطعهم النظر إلى صدرة الله وقوَّته.
﴿وَقَذَفَ﴾؛ أي: ألقى الله سبحانه وتعالى، وأركز، وأثبت ﴿فِي قُلُوبِهِمُ﴾؛ أي: في قلوب بني النضير ﴿الرُّعْبَ﴾؛ أي: الخوف الذي أرعبها وملأها، بحيث غير عقلهم، وأعجز أنفسهم، وشوش رأيهم، وفرق تدبيرهم؛ أي: ألقى في قلوبهم الخوف من المسلمين. والمراد (١) بالرعب الذي قذفه الله في قلوبهم هو: الذي ثبت في "الصحيح" من قوله - ﷺ -: "نصرت بالرعب مسيرة شهر".
وجملة قوله: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ﴾ مستأنفة لبيان حالهم عند الرعب أو في محل النصب على الحال؛ أي: يخربونها بأيديهم ليسدوا بما نقضوا منها من الخشب والحجارة أفواه الأزقة، ولئلا تبقى بعد جلائهم مساكن للمسلمين، وذلك أنهم لما أيقنوا بالجلاء.. حسدوا المسلمين أن يسكنوا منازلهم، فجعلوا يخربونها

(١) الشوكاني.


الصفحة التالية
Icon