تدرسون في الكتاب أنّ لكم لما تخيّرون؛ أي: تختارون من النعيم. وكسرت الهمزة من ﴿إنّ﴾ لدخول اللام في الخبر، وهي بمعنى ﴿أنّ﴾ بفتح الهمزة، قاله الزمخشريّ، وبدأ به، وقال: ويجوز أن تكون حكاية للمدروس كما هو كقوله تعالى: ﴿وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (٧٨) سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ﴾ انتهى. وقرأ طلحة بن مصرف والضحاك ﴿أن لكم﴾ بفتح الهمزة، واللام في ﴿لَمَا﴾ زائدة كهي في قراءة من قرأ ﴿ألا أنهم ليأكلون الطعام﴾ بفتح همزة أنهم. وقرأ الأعرج ﴿أأنّ لكم﴾ على الاستفهام.
وحاصل معنى الآية (١): أفبأيديكم كتاب نزل من السماء تدرسونه، وتتداولونه ينقله الخلف من السلف، يتضمن حكمًا مؤكَّدًا كما تدّعون أن لكم ما تختارون وتشتهون، وأنَّ الأمر مفوّض إليكم لا إلى غيركم.
وخلاصة هذا: أفسدت عقولكم حتى حكمتم بهذا؟ أم جاءكم كتاب فيه تخييركم، وتفويض الأمر إليه.
٣٩ - ثم زاد سبحانه في التوبيخ، فقال: ﴿أَمَّ لَكُمْ﴾؛ أي: بل ألكم أيّها المشركون ﴿أَيْمَانٌ﴾؛ أي: مواثيق وعهود مؤكّدة بالأيمان مضمونة لكم ﴿عَلَيْنَا بَالِغَةٌ﴾ نهاية الصحة وغاية الجودة، لا نخرج من عهدتها ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ على ﴿إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ﴾ وتشتهون. و ﴿أَمَّ﴾ منقطعة تقدر بـ (بل) الإضرابية وهمزة الإنكار، نظير ما مرّ. و ﴿عَلَيْنَا﴾ (٢) صفة ﴿أَيْمَانٌ﴾، وكذا ﴿بَالِغَةٌ﴾؛ أي: متناهية في التوكيد والصحة؛ لأنّ كل شيء يكون في نهاية الجودة وغاية الصحة يوصف بأنّه بالغ، يقال لفلان عليَّ يمين بكذا إذا ضمنت وكفلت له به، وحلفت له على الوفاء به؛ أي: بل أضمنا لكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة، فثبت لكم علينا عهود مؤكدة بالأيمان مستمرة إلى يوم القيامة لا نخرج من عهدتها إلا بوفائها. وقوله: ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ متعلّق بالمقدر في ﴿لَكُمْ﴾؛ أي: ثابتة لكم إلى يوم القيامة لا نخرج من عهدتها حتى نحكمكم يومئذٍ، ونعطيكم ما تحكمون، أو متعلق بـ ﴿بَالِغَةٌ﴾؛ أي: أيمان تبلغ ذلك اليوم وتنتهي إليه وافرة لم تبطل منها يمين إلى أن يحصل المقسم عليه الذي هو التحكيم واتباعنا لحكمهم.

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon