إحسانه في التسبب للهلاك. قال بعضهم: الكيد: إظهار النفع وإبطان الضر للمكيد. وفي "التعريفات": الكيد؛ إرادة مضرة الغير خفية. وهو من الخلق الحِيْلَةُ السيئة، ومن الله التدبير بالحق لمجازاة أعمال الخلق من حيث لا يعرف.
قلت: والقول الأصح الأسلم الموافق لمذهب السلف. أن يقال في تعريف الكيد في حقه تعالى: إنه صفة ثابتة لله سبحانه وتعالى نثبتها ونعتقدها لا نكيفها ولا نمثلها بها مجازاة الخلق على أعمالهم السيئة في الدنيا.
٤٦ - ثم ذكر من الشبه ما ربما يكون هو المانع لهم عن قبول الحق فقال:
١ - ﴿أَمْ تَسْأَلُهُمْ﴾ معطوف في المعنى على قوله: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ﴾؛ أي: بل أتسأل أيها الرسول هؤلاء المكذبين لك ﴿أَجْرًا﴾؛ أي: ثوابًا دنيويًا وتلتمس منهم مكافأة على ما تدعوهم إليه من الإيمان بالله سبحانه. ﴿فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ﴾؛ أي: من غرامة ذلك الأجر وحملها ﴿مُثْقَلُونَ﴾؛ أي: مكلّفون حملًا ثقيلًا فيعرضون عنك، أي: يثقل عليهم حمله لشحهم ببذل المال، فأعرضوا عن إجابتك بهذا السبب. والاستفهام هنا كسابقه فيما مرّ للإنكار؛ أي: لا تسأل منهم ذلك فليس لهم عذر في إعراضهم وفرارهم منك. والمغرم مصدر ميميّ بمعنى الغرامة، والغرامة (١): هي ما ينوب الإنسان في ماله من ضرر بغير جناية منه.
والمعنى: بل أتسأل أيها الرسول هؤلاء المشركين بالله على ما آتيتهم من النصيحة والدعوة إلى الحق أجرًا دنيويًا، فهم من غرم ذلك الأجر مثقلون بأدائه، فتحاموا لذلك قبول نصيحتك، وتجنّبوا لعظم ما أصابهم من الغرم الدخول في الدين الذي دعوتهم إليه.
وخلاصة ذلك: أن أمرهم لعجيب، فإنك لتدعوهم إلى الله بلا أجر تأخذه منهم بل ترجو ثواب ذلك من ربك، وهم مع ذلك يكذبونك فيما جئتهم به من الحق جهلًا وعنادًا.
٢ - ٤٧ ﴿أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ﴾؛ أي: اللوح المحفوظ، أو كل ما غاب عنهم ﴿فَهُمْ﴾ من ذلك الغيب ﴿يَكْتُبُونَ﴾ ما يريدون من الحجج التي يزعمون أنها تدل على ما