يقولون من التسوية بين المؤمن والكافر، ويخاصمونك بما يكتبونه من ذلك، ويحكمون لأنفسهم بما يريدون، ويستغنون بذلك عن الإجابة لك والامتثال لما تقوله.
٤٨ - ولما بالغ في تزييف طريق الكافرين، وزجرهم عمّا هم عليه أمر رسوله بالصبر على أذاهم، فقال: ﴿فَاصْبِرْ﴾ أيها الرسول الكريم ﴿لِحُكْمِ رَبِّكَ﴾؛ أي: لقضائه الذي قد قضاه في سابق علمه. قيل: والحكم هو إمهالهم وتأخير نصرته عليهم. وقيل: هو ما حكم به عليه من تبليغ الرسالة. قيل: وهذا منسوخ بآية السيف كما مرَّ في أول السورة عن ابن حزم.
والمعنى: فاصبر على قضاء ربك وحكمه فيك، وفي هؤلاء المشركين، وامض لما أمرك به ولا يثنك عن تبليغ ما أمرت بتبليغه تكذيبهم لك، وأذاهم إيّاك. روي: أنه - ﷺ - أراد أن يدعو على ثقيف لما آذوه حين عرض نفسه على القبائل بمكة، فنزل قوله تعالى: ﴿وَلَا تَكُنْ﴾ أيها الرسول الكريم في التضجر والعجلة بعقوبة قومك ﴿كَصَاحِبِ الْحُوتِ﴾ يونس بن متّى عليه السلام؛ أي: مثله. ﴿إِذْ نَادَى﴾ صاحب الحوت داعيًا إلى الله في بطن الحوت بقوله: ﴿لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾. ﴿وَهُوَ مَكظُومٌ﴾؛ أي: مملوء غيظًا وغما، والجملة حال من فاعل ﴿نَادَى﴾، وعليها يدور النهي؛ لأنّها عبارة عن الضجرة والمغاضبة المذكورة صريحًا في قوله: ﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا﴾. لا على النداء، فإنه أمر مستحسن، ولذلك لم يذكر المنادى. و ﴿إِذْ﴾ منصوب بمضاف محذوف؛ أي: لا يكن حالك كحاله وقت ندائه، أي: لا يوجد منك ما وجد منه من الضجرة والمغاضبة، فتبتلى ببلائه، وهو التقام الحوت أو بنحو ذلك. قال قتادة: إنّ الله سبحانه يعزي نبيه - ﷺ -، ويأمره بالصبر، ولا يعجل كما عجل صاحب الحوت. وقد تقدّم بيان قصته في سورة الأنبياء، ويونس والصافات.
ومعنى الآية (١): ولا تكن يا محمد كيونس بن متّى حين ذهب مغاضبًا لقومه، فكان من أمره ما كان من ركوب البحر، والتقام الحوت له، وشروده به في البحار، فنادى ربه في الظلمات من بطن الحوت، وهو مملوء غيظًا من قومه إذ لم يؤمنوا