على مقتضى إرادته ومشيئته بلا منازع ولا مدافع.
والخلاصة: تعاظم عن صفات المخلوقين من بيده الملك والتصرف في كل شيء، وهو قدير يتصرف في ملكه كيف يريد؛ مِن انتقامٍ ورفعٍ ووضعٍ وإعطاءٍ ومنعٍ.
٢ - ثم شرع يفصل بعض أحكام الملك وآثار القدرة، ويبين ابتناءهما على الحكم والمصالح، وأنهما يستتبعان غايات جليلة، فقال سبحانه: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ وقدم الموت على الحياة، لأنّه (١) هو المخلوق أوّلًا؛ لقوله تعالى،: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾؛ لأن الموت في عالم الملك ذاتي، والحياة عرضية؛ يعني: أن الموت أسبق؛ لأن الأشياء كانت أمواتًا ثم عرضت لها الحياة، كالنطفة على ما دل عليه قوله تعالى: ﴿وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا﴾ إلخ؛ ولأنه أدعى إلى إحسان العمل، وأقرب إلى قهر النفوس؛ فمن جعله نصب عينيه أفلح، وفي الحديث: "لولا ثلاث ما طأطأ ابن آدم رأسه: الفقر والمرض والموت".
قيل (٢): الموت: انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقته له. والحياة: تعلق الروح بالبدن واتصاله به، وقيل: هي ما يصح بوجوده الإحساس، وقيل: ما يوجب كون الشيء حيًّا. وقيل: المراد الموت في الدنيا والحياة في الآخرة. وقال مقاتل: خلق الموت يعني: النطفة والمضغة والعلقة، والحياة يعني: خلقه إنسانًا، وخلق الروح فيه. وقيل: خلق الموت على صورة كبش لا يمر على شيء إلا مات، وخلق الحياة على صورة فرس لا تمر بشيء إلا حيي، قاله مقاتل والكلبي. وقد ورد في التنزيل: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾، وقوله: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ﴾، وقوله: ﴿تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾، وقوله: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾، وغير ذلك من الآيات. وفي "الإرشاد": (الأقرب أنَّ المراد بالموت: الطارىء، وبالحياة: ما قبله وما بعده لظهور مداريتهما كما ينطق به ما بعد الآية ﴿لِيَبْلُوَكُمْ...﴾ إلخ؛ فإن استدعاء ملاحظتها لإحسان العمل مما لا ريب فيه، مع أن نفس العمل لا يتحقق بدون الحياة الدنيوية) انتهى.
(٢) الشوكاني.