ثم إن الألف واللام في ﴿الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ﴾ عِوَضٌ عن المضاف إليه، أي: موتكم وحياتكم أيها المكلفون؛ لأن خلق موت غير المكلفين وحياتهم لابتلاء المكلفين لا معنى له.
واللام في قوله: ﴿لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾ متعلق بـ ﴿خَلَقَ﴾؛ أي: خلق الموت والحياة ليعاملكم معاملة من يختبركم ليعلم أيكم أحسن عملًا، فيجازيكم على ذلك.
وظاهر هذه اللام يدل على أنّ أفعال الله معللة بمصالح العباد، وأنه تعالى يفعل الفعل لغرض كما ذهب إليه المعتزلة، وعند أهل السُّنَّة ليس هي على ظاهرها، بل معناها: أن الله تعالى فعل فعلًا لو كان يفعله من يراعي المصالح.. لم يفعله إلا لتلك المصلحة والغرض فمثل هذه اللام لام العلة عقلًا، ولام الحكمة والمصلحة شرعًا. و ﴿أَيُّكُمْ﴾ مبتدأ، و ﴿أَحْسَنُ﴾ خبره. و ﴿عَمَلًا﴾ تمييز، والجملة الاسمية سادة مسد المفعول الثاني لفعل البلوى، عدي إليه بلا واسطة؛ لتضمنه معنى العلم باعتبار عاقبته، وإلا فهو لا يتعدى بلا واسطة إلا إلى مفعول واحد، فليس هو من قبيل التعليق المشهور الذي يقتضي عدم إيراد المفعول أصلًا - وقد ذكر المفعول الأول هنا وهو (كُمْ) مع اختصاصه بأفعال القلوب، ولا من التضمين المصطلح عليه بل هو مستعار لمعنى العلم، والبلوى: الاختبار، وليس هنا على حقيقته؛ لأنّه إنّما يتصور ممن تخفى عليه عواقب الأمور، فالابتلاء من الله أن يظهر من العبد ما كان يعلم منه في الغيب.
والمعنى كما مر: الذي قدر الموت وقدر الحياة، وجعل لكل منهما مواقيت لا يعلمها إلا هو؛ يعاملكم معاملة من يختبر حاله، وينظر أيكم أخلص في عمله، فيجازيكم بذلك بحسب تفاوت مراتبكم وأعمالكم، سواء أكانت أعمال القلب أم كانت أعمال الجوارح.
وقد ورد في تفسير الآية عن رسول الله - ﷺ - أنه قال: "أيكم أحسن عقلًا، وأورع عن محارم الله، وأسرع في طاعته عزَّ وَجَلَّ"؛ يعني: أيكم أتم فهمًا لما يصدر من حضرة القدس وأكمل ضبطًا لما يؤخذ من خطابه، وأيكم أبعد عن ملابسة الكبائر، وأسرع في إجابة داعي الله. وفيه ترغيب في الطاعات، وزجر عن المعاصي


الصفحة التالية
Icon