كما لا يخفى على ذوي الألباب.
ثم إن المراد أيكم عمله أحسن من عمل غيره، وايراد صيغة التفضيل مع أن الابتلاء شامل لجميع أعمالهم المنقسمة إلى الحسن والقبيح، لا إلى الحسن والأحسن فقط، للإيذان بأن المراد بالذات والمقصد الأصليَّ من الابتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين مع تحقق أصل الإيمان والطاعة في الباقين أيضًا.
وقال بعضهم: أحسن الأعمال ما كان أخلص بأن يكون لوجه الله خالصًا، وأصوب بأن يكون موافقًا للسنة؛ أي: واردًا للنهج الذي ورد عن الشارع، فالعمل إذا كان خالصًا، ولم يكن صوابًا لم يقبل؛ ولذا قال - ﷺ - للأعرابيّ: "قُمْ صَلّ فإنّك لم تُصلّ"، وكذا إذا كان صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل أيضًا؛ ولذا جعل الله أعمال أهل الرياء والنفاق هباء منثورًا. وقول بعضهم: "حُسْنُ العمل: نسيان العمل ورؤية الفضل": هو من مراتب الإخلاص، فإن الإخلاص سر عظيم من أسرار الله تعالى لا يناله إلا الخواص.
ولم يقل: أيكم (١) أكثر عملًا؛ لأنّه لا عبرة بالكثرة مع القبح، قالوا: والحسن إنما يدرك بالشرع؛ فما حسنه الشرع فهو حسن، وما قبحه فهو قبيح. وقال بعضهم: ليبلوكم أيكم أحسن أخذًا من حياته لموته، وأحسن أهبة في دنياه لآخرته.
﴿وَهُوَ﴾ أي: والحال أنه وحده ﴿الْعَزِيزُ﴾ أي: الغالب الذي لا يغالب، ولا يفوته من أساء العمل ﴿الْغَفُورُ﴾ لمن تاب وأناب ممن شاء منهم بالتوبة، وكذا بالفضل.
قال بعضهم: ولما كان العزيز منا يهلك كل من خالفه إذا علم بمخالفته... قال - مرغبًا للمسيء في التوبة حتى لا يقول: "مثلي لا يصلح للخدمة لمالي من القاطعة" قال: "هو الغفور الذي يستر ذنوب المسيء، ويتلقى من أقبل إليه أحسن تلقٍّ"، كما قال في الحديث القدسي: "ومَنْ أتاني يَمْشِي أتَيتُه هَرْولةً".
والمعنى (٢): وهو القوي الشديد الانتقام ممن عصاه وخالف أمره، الغفور لذنوب من أناب إليه وأقلع عنها. وقد قرن سبحانه الترهيب بالترغيب في مواضع

(١) روح البيان.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon