وأحقت لقوم الجنة.
٤ - ثم ذكر بعض الأمم التي كذبت بها، وما حاق بها من العذاب، فقال: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ﴾؛ أي: قوم صالح، من الثمد، وهو الماء القليل الذي لا مادة له؛ لأنهم نازلون عليه. ﴿وَعَادٌ﴾؛ أي: قوم هود، وهي قبيلة أيضًا، وتمنع كما في "القاموس" ﴿بِالْقَارِعَةِ﴾؛ أي: بالقيامة، وهي من (١) جملة أسماء الساعة أيضًا. سميت بذلك؛ لأنها تقرع الناس؛ أي تضربهم بفنون الأفزاع والأهوال؛ أي: تصيبهم بها كأنها تقرعهم بها والسماء بالانشقاق والانفطار والأرض والجبال بالدك والنسف والنجوم بالطمس والانكدار. ووضعت موضع ضمير الحاقة للدلالة على معنى القرع فيها زيادة في وصف شدتها، فإن في القارعة ما ليس في الحاقة من الوصف، يقال: أصابتهم قوارع الدهر؛ أي: أهواله وشدائده، قيل: منها قوارع القرآن للآيات التي تقرأ حين الفزع من الجن والإنس، لقرع قلوب المؤذين بذكر جلال الله والاستمداد من رحمته وحمايته، مثل: آية الكرسيّ ونحوها.
وفي الآية: تخويف لأهل مكة من عاقبة تكذيبهم بالبعث والحشر، وهذه الجملة مستأنفة لبيان بعض أحوال الحاقّة.
٥ - ثم فصل ما نزل بكل أمة من العذاب، فقال:
١ - ﴿فَأَمَّا ثَمُودُ﴾ وكانوا عربًا، منازلهم بالحجر بين الشام والحجاز يراها حجاج الشام ذهابًا وايابًا. ﴿فَأُهْلِكُوا﴾؛ أي: أهلكهم الله سبحانه لتكذيبهم. فأخبر عن الفعل؛ لأنه المراد دون الفاعل؛ لأنه معلوم.
وقرأ الجمهور ﴿فَأُهْلِكُوا﴾ رباعيًا مبنيًا للمفعول. وقرأ زيد بن عليّ ﴿فهلكوا﴾ ثلاثيًا مبنيًا للفاعل، ذكره في البحر. ﴿بِالطَّاغِيَةِ﴾؛ أي: بالصيحة التي جاوزت عن حد سائر الصيحات في الشدّة، فرجفت منها الأرض والقلوب، وتزلزلت. فاندفع ما يقال من التعارض بين قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾، وبين قوله تعالى: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ﴾ والقصة واحدة.
٢ - ٦ ﴿وَأَمَّا عَادٌ﴾ وكانت منازلهم بالأحقاف، وهي الرمل بين عمان إلى

(١) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon