فنسيته، وما كان لي أن أنسى إذ هو الحافظ للأسرار الإلهية، وقد قال: ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة. وفي رواية: أخذ بأذن عليّ بن أبي طالب وقال: هي هذه ذكره النقاش، ولكن لا يصح هذا الحديث.
والمعنى (١): لنجعل نجاة المؤمنين وإغراق الكافرين عظة وعبرة لكم لدلالتها على كمال قدرة الصانع وحكمته وسعة رحمته، وتفهمها أذن حافظة سامعة عن الله، فتنتفع بما سمعت من كتابه، ولا تضيع العمل بما فيه، وتبلغها إلى من يأتي بعد.
وقرأ الجمهور (٢): ﴿وَتَعِيَهَا﴾ بكسر العين وفتح الياء مخفّفة. وقرأ طلحة بن مصرف، وحميد، والأعرج، وأبو عمرو في رواية هارون، وخارجة، وقنبل بخلاف عنه بإسكان العين وفتح الياء مخفّفة. وقرأ حمزة بإخفاء الحركة ووجه الإسكان التشبيه في الفعل بما كان على وزن فعل في الاسم والفعل، نحو: كبد وفخذ وعلم وسمع. وتعي ليس على وزن فعل، بل هو مضارع وعي فصار إلى فعل، وأصله: يفعل حذفت واوه. وروي عن عاصم عصمة وحمزة الأرزق ﴿وتعيها﴾ بتشديد الياء. قيل: وهو خطأ، وينبغي أن يتأوّل على أنه أريد شدة بيان الياء احترازًا ممن سكنها لا إدغام حرف في حرف، ولا ينبغي أن يجعل ذلك من باب التضعيف في الوقف، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف. وإن كان قد ذهب إلى ذلك بعضهم. وروي عن حمزة وعن موسى بن عبد الله العنسي ﴿وَتَعِيَهَا﴾ بإسكان الياء. فاحتمل الاستئناف، وهو الظاهر، واحتمل أن يكون مثل قراءة ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ بسكون الياء.
١٣ - ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣)﴾ وهذا شروع (٣) في بيان الحاقّة وكيفية وقوعها بعد بيان عظم شأنها بإهلاك مكذّبيها. والنفخ: إرسال الريح من الفم. والصور: قرن من نور أوسع من السماوات، ينفخ فيه إسرافيل بأمر الله، فيحدث صوت عظيم، فإذا سمع الناس ذلك الصوت يصيحون، ثمّ يموتون إلّا من شاء الله تعالى. والمصدر المبهم هو الذي يكون لمجرد التأكيد، وإن كان لا يقام مقام الفاعل فلا يقال: ضرب ضرب؛ إذ لا يفيد أمرًا زائدًا على مدلول الفعل، إلّا أنه حسن إسناد الفعل في الآية إلى المصدر وهو النفخة لكونها نفخًا مقيدًا بالوحدة

(١) المراغي.
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon