والمرة لا نفخًا مجردًا مبهمًا.
والمراد بها هاهنا: النفخة الأولى التي لا يبقى عندها حيوان إلّا مات، ويكون عندها خراب العالم لما دل عليه الحمل والدك الآتيان. وفي "الكشاف": فإن قلت: هما نفختان فلم قيل واحدة؟
قلت: معناه: أنها لا تثنى في وقتها انتهى. يعني. أنَّ حدوث الأمر العظيم بالنفخة، وعلى عقبها إنما استعظم من حيث وقوع النفخ مرة واحدة، لا من حيث إنه نفخ. فنبه على ذلك بقوله: "واحدة".
وقرأ الجمهور (١): ﴿نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ﴾ بالرفع فيهما على أنَّ ﴿نَفْخَةٌ﴾ مرتفعة على النيابة، و ﴿وَاحِدَةٌ﴾ تأكيد لها. وحسن تذكير الفعل لوقوع الفصل؛ ولأن تأنيث النفخ مجازي. وقرأ أبو السمال بنصبهما على أن النائب هو الجار والمجرور، قال الزجاج: ﴿فِي الصُّورِ﴾ يقوم مقام ما لم يسم فاعله.
١٤ - ﴿وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ﴾؛ أي: قلعت ورفعت من أماكنها بمجرد القدرة الإلهية أو بالريح العاصفة، فإن الريح من قوة عصفها تحمل الأرض والجبال كما حملت أرض وجود قوم عاد وجبال جمالهم مع هوادجها أو بواسطة الملائكة. وقرأ الجمهور ﴿وَحُمِلَتِ﴾ بتخفيف الميم، وابن أبي عبلة، وابن مقسم والأعمش، وابن عامر في رواية يحيى بتشديدها للتكثير أو للتعدية.
﴿فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً﴾؛ أي: فكسرتا كسرة واحدة لا زيادة عليها، أو فضربت (٢) الجملتان جملة الأرضين وجملة الجبال إثر رفعها بعضها ببعض ضربة واحدة بلا احتياج إلى تكرار الضرب وتثنية الدك حتى تندق وترجع كثيبًا مهيلًا وهباء منبثًا. قال الفراء: ولم يقل: فدككن مع كونه مقتضى الظاهر لإسناد الفعل إلى الأرض والجبال، وهي أمور متعددة، لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة والأرض كذلك، فثنى الضمير نظيره.
قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ حيث لم يقل: كن. وقيل: ﴿دكتا﴾: بسطتا بسطةً واحدةً، ومنه: اندكّ سنام البعير إذا انفرش على ظهره.
(٢) روح البيان.