والملائكة؟
قلت: الملك أعم من الملائكة ألا ترى أن قولك: ما من ملك إلا وهو شاهد أعم من قولك: ما من ملائكة انتهى. ولا يظهر (١) أن الملك أعم من الملائكة؛ لأن المفرد المحلى بالألف واللام الجنسية قصاراه أن يراد به الجمع المحلى بهما، ولذلك صح الاستثناء منه، فقصاراه أن يكون كالجمع المحلى بهما. وأما دعواه أنه أعم منه بقوله: ألا ترى إلخ، فليس دليلًا على دعواه؛ لأن (من ملك) نكرة مفردة في سياق النفي قد دخلت عليها (من) المخلصة للاستغراق، فشملت كل ملك، فاندرج تحتها الجمع لوجود الفرد فيه، فانتفى كل فرد فرد بخلاف من ملائكة فإن (من) دخلت على جمع منكر فعم كل جمع جمع من الملائكة، ولا يلزم من ذلك انتفاء كل فرد فرد من الملائكة. لو قلت: ما في الدار من رجال جاز أن يكون فيها واحد؛ لأن النفي إنما انسحب على جمع ولا يلزم من انتفاء الجمع أن ينتفي المفرد. والملك في الآية ليس في سياق نفي دخلت عليه ﴿مِنْ﴾، فيكون أعم من جمع دخلت عليه ﴿مِنْ﴾، وإنما جيء به مفردًا؛ لأنه أخف، ولأن قوله: ﴿عَلَى أَرْجَائِهَا﴾ يدل على الجمع لأن الواحد بما هو واحد لا يمكن أن يكون على أرجائها في وقت واحد بل في أوقات. والمراد - والله تعالى أعلم - أن الملائكة على أرجائها، لا أنه ملك واحد ينتقل على أرجائها في أوقات.
أي: جنس (٢) الملك على أطرافها وجوانبها، وهي جمع رجا مقصور وتثنيته رجوان مثل: قفا وقفوان.
والمعنى: أنها لما تشققت السماء وهي مساكنهم لجؤوا إلى أطرافها. قال الضحاك: إذا كان يوم القيامة أمر الله السماء الدنيا فتشققت، وتكون الملائكة على حافاتها حتى يأمرهم الرب فينزلون إلى الأرض، ويحيطون بالأرض ومن عليها. وقال سعيد بن جبير: المعنى: والملك على حافات الدنيا؛ أي: ينزلون إلى الأرض، وقيل: إذا صارت السماء قطعًا تقف الملائكة على تلك القطع التي ليست متشققة في أنفسها. قالوا: وقوفهم لحظة على أرجائها وموتهم بعدها، فإن الملائكة يموتون عند النفخة الأولى لا ينافي التعقيب المدلول عليه بالفاء في قوله: ﴿فَهِيَ﴾.
(٢) المراغي.