﴿وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ﴾ يا محمد. وهو الفلك التاسع، وهو جسم عظيم لا يعلم عظمه إلا الله تعالى. والفائدة (١) في ذكر العرش عقيب ما تقدم أن العرش بحاله خلاف السماء والأرض، ولذلك لا يفنى. وعن عليّ بن الحسن رضي الله عنهما قال: إن الله خلق العرش رابعة لم يخلق قبله إلا ثلاثة: الهواء، والقلم، والنور ثم خلق العرش من أنوار مختلفة من ذلك نور أخضر منه اخضرت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أحمر منه احمرت الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار، ومنه ضوء النهار. ﴿فَوْقَهُمْ﴾؛ أي: فوق الملائكة الذين هم على الأرجاء أو فوق الثمانية؛ أي: ويحملون العرش فوق أنفسهم، فالمحمول لا يلزم أن يكون فوق الحامل فقد يكون في يده، وقد يكون في جيبه، وكل واحد من قوله: ﴿فَوْقَهُمْ﴾. و ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ ظرف لقوله: ﴿يحمل﴾، وأما على التقدير الأول فالظاهر أن ﴿فَوْقَهُمْ﴾ حال من ﴿ثَمَانِيَةٌ﴾ قدمت عليها لكونها نكرة. ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ أي: يوم القيامة ﴿ثَمَانِيَةٌ﴾ من الملائكة. وعن النبي - ﷺ -: "هم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أيّدهم الله بأربعة أخرى فيكون ثمانية".
وفي "الشوكاني": أي يحمله (٢) فوق رؤوسهم يوم القيامة ثمانية أملاك. وقيل: ثمانية صفوف من الملائكة، لا يعلم عددهم إلّا الله عز وجل. وقيل: ثمانية أجزاء من تسعة أجزاء من الملائكة، قاله الكلبي وغيره انتهى.
١٨ - ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ العامل فيه قوله: ﴿تُعْرَضُونَ﴾ على الله؛ أي: (٣) تسألون وتحاسبون. عبّر عنه بذلك تشبيهًا له بعرض السلطان العسكر لتعرّف أحوا اطم، يقال: عرض الجند إذا أمرهم عليه ونظر ما حالهم. والخطاب عامّ للكلّ على التغليب؛ أي: يومئذٍ يعرض العباد على الله لحسابهم، ومثله قوله: ﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا﴾. وليس ذلك العرض عليه سبحانه ليعلم به ما لم يكن عالمًا به، وإنما هو عرض الاختبار والتوبيخ بالأعمال.
روي: أن في يوم القيامة ثلاث عرضات. فاما عرضتان فاعتذار واحتاج وتوبيخ، وأمّا الثالثة ففيها تنشر الكتب، فيأخذ الفائز كتابه بيمينه والهالك بشماله. أخرجه أحمد والترمذي بلفظ آخر. وهذا العرض، وإن كان بعد النفخة الثانية لكن لما كان اليوم اسمًا لزمان متسع يقع فيه النفختان والصعقة والنشور والحساب
(٢) الشوكاني.
(٣) روح البيان.