والحساب بمعنى المحاسبة، وهو عد أعمال العباد في الآخرة خيرًا وشرًّا للمجازاة؛ أي: علمت وأيقنت في الدنيا أني مصادف حسابي في ديوان الحساب الإلهي، وأني أحاسب على أعمالي في الآخرة. والظن هنا بمعنى العلم واليقين، فإن الظن قد أتى بمعنى اليقين في مواضع كثيرة من القرآن:
منها: هذا الموضع.
ومنها: قوله تعالى حكاية: ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ﴾ وهم المؤمنون بالآخرة.
ومنها: قوله تعالى: ﴿وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ﴾؛ أي: علم وأيقن بالعلامة القوية، وقوله: ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ﴾. ولعل التعبير عن العلم بالظن للإشعار بأنه لا يقدح في الاعتقاد، وما يهجس في النفس من الخطرات التي لا تنفك عنها العلوم النظرية غالبًا. يعني: أن الظن استعير للعلم الاستدلالي؛ لأنه لا يخلو عن الخطرات والوساوس عند الذهول عما قاد إليه من الدليل للإشعار المذكور. وفي "الكشاف": وإنما أجري الظن مجرى العلم؛ لأن الظن الغالب يقام مقام العلم في العادات والأحكام، ويقال: أظن ظنًا كاليقين أن الأمر كيت وكيت.
وقرأ الجمهور (١): ﴿كِتَابِيَهْ﴾ و ﴿حِسَابِيَهْ﴾ في موضعيهما، و ﴿مَالِيَهْ﴾ و ﴿سُلْطَانِيَهْ﴾ وفي القارعة و ﴿مَا هِيَة﴾ بإثبات هاء السكت وقفًا ووصلًا لمراعاة خط المصحف. وقرأ ابن محيصن بحذفها وصلًا ووقفًا وإسكان الياء، وذلك ﴿كتابي﴾ و ﴿حسابي﴾ و ﴿مالي﴾ و ﴿سلطاني﴾، ولم ينقل ذلك فيما وقفت عليه في ﴿مَا هِيَة﴾ في القارعة وقرأ ابن أبي إسحاق والأعمش بطرح الهاء فيهما في الوصل لا في الوقف. وطرحها حمزة في ﴿مالي﴾ و ﴿سلطاني﴾ و ﴿ما هي﴾ في الوصل لا في الوقف وفتح الياء فيهن. وما قاله الزهراوي من أن إثبات الهاء في الوصل لحن لا يجوز عند أحد علته ليس كما قال، بل ذلك منقول نقل التواتر، فوجب قبوله.
ومعنى الآية (٢): أي فأما من أعطي كتابه بيمينه فيقول: تعالوا يا أصحابي اقرؤوا كتابي فرحًا به؛ لأنه لما أوتيه باليمين علم أنه من الناجين الفائزين بالنعيم؛

(١) البحر المحيط.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon