فأحب أن يظهره لغيره حتى يفرحوا بما نال. ثم ذكر العلة في حسن حاله فقال: ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (٢٠)﴾؛ أي: إني فرح مسرور الآن؛ لأنّي علمت في الدنيا أن ربي سيحاسبني حسابًا يسيرًا، وقد حاسبني كذلك، فالله عند ظن عبده به. قال الضحاك: كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين، ومن الكافر فهو شك. وقال مجاهد: ظن الآخرة يقين، وظن الدنيا شك. وقال الحسن في الآية: إنّ المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل للآخرة، وإن الكافر أساء الظن بربه فأساء العمل لها.
٢١ - ثم بين عاقبة أمره، فقال: ﴿فَهُوَ﴾؛ أي: من أوتي كتابه بيمينه ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾؛ أي: في عيشة وحياة مرضية لا مكروهة، أو في عيشة ذات رضي يرضاها صاحبها؛ أي: من يعيش فيها. وفي "التأويلات النجمية": ﴿رَاضِيَةٍ﴾: هنيئة مريئة صافية عن شوائب الكدر طاهرة عن نوائب الحذر.
وقوله: ﴿فِي عِيشَةٍ﴾؛ أي: في نوع فخيم من العيش. والعيش (١) بالفتح وكذا العيشة والمعاش والمعيش: الحياة المختصة بالحيوان، وهو أخص من الحياة؛ لأن الحياة تقال في الحيوان وفي البازي وفي الملك، ويشتق منه المعيشة لما يتعيش منه. ﴿رَاضِيَةٍ﴾؛ أي: ذات رضي يرضاها صاحبها على معنى النسبة بالصيغة، فإن النسبة نسبتان نسبة بالحرف كمكي ومدني، ونسبة بالصيغة كلابن وتامر بمعنى ذي لبن وذي تمر. ويجوز أن يجعل الفعل لها، وهو لصاحبها، فيكون من قبيل الإسناد المجازي. ومآل الوجهين كون العيشة مرضية.
وكون العيشة مرضية لاشتمالها على أمور ثلاثة:
الأول: كونها منفعة صافية عن الشوائب.
والثماني: كونها دائمة لا يترقب زوالها وانقطاعها.
والثالث: كونها بحيث يقصد بها تعظيم من رضي بها وإكرامه، وإلا يكون استهزاء واستدراجًا. وعيشة من أعطيَ كتابه بيمينه جامعة لهذه الأمور الثلاثة، فتكون مرضيًّا كمال الرضا. قال ابن عباس رضي الله عنهما: يعيشون فلا يموتون،