لزم اجتماع حرفي العطف وتواردهما على معطوف واحد، ولا وجه له، فينبغي أن تكون كلمة ﴿ثُمَّ﴾ لعطف مضمر على مضمر قبل قوله: ﴿خُذُوهُ﴾؛ أي: قيل لخزنة النار: ﴿خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (٣٠) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (٣١)﴾ ثم قيل لهم: ﴿فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ﴾ فيكون الفاء لعطف المقول على المقول مع إفادة معنى التعقيب، وكلمة ثم لعطف القول على القول مع الدلالة على أن الأمر الأخير أشد وأهول مما قبله من الأوامر مع تعاقب المأمور بها من الأخذ، وجعل يده مغلولة إلى عنقه وتصلية الجحيم وسلكهم إياه السلسلة الموصوفة.
والمعنى: فأدخلوه فيها بأن تلقوها على جسده، وتجعلوه محاطًا بها، فهو فيما بينها مرهق مضيق عليه، لا يستطيع حراكًا مّا، كما روِي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن أهل النار يكونون في السلسلة كما يكون الثعلب في الجلبة. والثعلب: طرف خشبة الرمح الداخل في الجلبة. والجلبة: السنان. والسلسلة: الدرع. وذلك أنّما يكون رهقا؛ أي: غشية.
قال أبو حيان (١): وأما ﴿ثُمَّ﴾ فيمكن بقاؤها جملى موضوعها من المهلة الزمانية، وأنه أولًا يؤخذ فيغل، ولما لم يعذب بالعجلة صارت له استراحة، ثم جاء تصلية الجحيم فكان ذلك أبلغ في عذابه، إذ جاءه ذلك وقد سكنت نفسه قليلًا، ثم جاء سلكه بعد ذلك بعد كونه مغلولًا معذّبًا في النار، لكنه كان انتقال من مكان إلى مكان فيجد بذلك بعض تنفس، فلما سلك في السلسلة كان ذلك أشد ما عليه من العذاب حيث صار لا حراك له ولا انتقال وأنه يضيق عليه غاية التضييق، فهذا يصح فيه أن تكون ﴿ثُمَّ﴾ على موضوعها من المهلة الزمانية انتهى.
وتقديم (٢) السلسلة على السلك كتقديم الجحيم على التصلية في الدلالة على الاختصاص والاهتمام بذكر ألوان ما يعذب به، أي: لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة؛ لأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم. ووصفها بسبعين ذراعًا لإرادة المبالغة في طولها، وإن لم تبلغ هذا العدد، كما قال: ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ يريد مرات كثيرة لا خصوص العدد المذكور؛ لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد، فهو كناية عن زيادة الطول لشيوع استعمال السبعة والسبعين والسبع مئة في
(٢) روح البيان.