موزون بقصد الوزن. ﴿قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾؛ أي: إيمانًا قليلًا تؤمنون بالقرآن وكونه كلام الله أو بالرسول، وكونه مرسلًا من الله تعالى، والمراد بالقلة: النفي، أي: لا تؤمنون أصلًا كقولك لمن لا يزورك: قلّما تأتينا وأنت تريد لا تأتينا أصلًا. يقول الفقير: يجوز عندي أن تكون قلة الإيمان باعتبار قلة المؤمن بمعنى أنّ القليل منكم يؤمنون، وقس عليه نظائره. وقال بعضهم (١): المراد بالإيمان القليل إيمانهم واستيقانهم بأنفهسم، وقد جحدوا بألسنتهم لا معنى النفي. وقال بعضهم: إن كان المراد منه الإيمان الشرعي فالتقليل للنفي، وإن كان اللغوي فالتقليل على حاله؛ لأنهم كانوا يصدقون ببعض أحكام القرآن كصلة الرحم وإطعام الجائع والعفاف ونحوها، ويكذّبون ببعضها كالتوحيد والرسالة والبعث ونحوها، وعلى هذا التذكر.
والحاصل: أن القرآن كلام الله حقيقة أظهره في اللوح المحفوظ وكلام جبريل أيضًا من حيث إنه أنزله من السماوات إلى الأرض، وتلاه على خاتم النبين، وكلام سيد المرسلين أيضًا من حيث إنه أظهره للخلق، ودعا الناس إلى الإيمان به وجعله حجة لنبوته.
٤٢ - ﴿وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ﴾ كما تدعون ذلك تارةً أخرى ﴿قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ﴾؛ أي: تتفكرون؛ أي: تذكرًا قليلًا أو زمانًا قليلًا تتذكرون، و ﴿ما﴾ زائدة؛ أي: لا تتذكرون أصلًا، فالقلة بمعنى النفي كسابقه. وقرأ الجمهور بالتاء في الفعلين لمناسبة ﴿تُبْصِرُونَ﴾. وقرأ ابن كثير (٢) وابن عامر، ويعقوب بالياء فيهما التفاتًا من الخطاب إلى الغيبة. قال مقاتل: سبب نزول هذه الآية أنّ الوليد بن المغيرة قال: إنّ محمدًا ساحر، وقال أبو جهل: شاعر، وقال عقبة: كاهن. فردّ الله عليهم بذلك كما مر.
والكاهن (٣): هو الذي يخبر عن الكوائن في مستقبل الزمان، ويدّعي معرفة الأسرار ومطالعة علم الغيب. وفي "كشف الأسرار": الكاهن هو الذي يزعم أنَّ له خدمًا من الجن يأتونه بضرب من الوحي، وقد انقطعت الكهانة بعد نبيّنا محمد - ﷺ -؛ لأنّ الجنَّ حبسوا ومنعوا من الاستماع انتهى.
وقال الراغب في "المفردات": الكاهن هو الذي يخبر بالأخبار الماضية الخفية
(٢) البيضاوي.
(٣) روح البيان.