بضرب من الظنّ كالعرّاف الذي يخبر بالأخبار المستقبلة على نحو ذلك. ولكون هاتين الصناعتين مبنيتين على الظن الذي يخطىء ويصيب قال - ﷺ -: "من أتى عرّافًا أو كاهنًا فصدّقه بما قال.. فقد كفر بما أنزل الله تعالى على محمد - ﷺ - ". وفي "شرح المشارق" لابن الملك: العرّاف من يخبر بما أخفي من المسروق، ومكان الضالّة، والكاهن: من يخبر بما يكون في المستقبل. وفي "الصحاح": العرّاف هو الكاهن.
فإن قلت: لِمَ خص ذكر الإيمان مع نفي الشاعرّية والتذكر مع نفي الكاهنيّة؟
قلت: إن عدم مشابهة القرآن الشعر أمر بين لكونه نثرًا لا ينكره إلا معاند فلا مجال فيه لتوهم عذر لترك الإيمان، فلذلك وبخوا عليه وعجب منه بخلاف مباينته للكهانة، فإنها تتوقف على تذكر أحواله - ﷺ - ومعاني القرآن المنافية لطريقة الكهنة ومعاني أقوالهم، فالكاهن ينصب نفسه للدلالة على الضوائع والإخبار بالمغيبات يصدق فيها تارة ويكذب كثيرًا، ويأخذ جعلًا على ذلك ويقتصر على من يسأله، وليس واحد منها من دأبه - ﷺ -.
والحاصل: أنَّ (١) الكاهن من يأتيه الشياطين، ويلقون إليه من أخبار السماء، فيخبر الناس بما سمعه منهم، وما يلقيه - ﷺ - من الكلام مشتمل على ذم الشياطين وسبهم، فكيف يمكن أن يكون ذلك بإلقاء الشياطين، فإنهم لا ينزلون شيئًا فيه ذمهم وسبهم لا سيما على من يلعنهم ويطعن فيهم، وكذا معاني ما يلقيه - ﷺ - منافية لمعاني أقوال الكهنة، فإنهم لا يدعون إلى تهذيب الأخلاق وتصحيح العقائد والأعمال المتعلقة بالمبدأ والمعاد، بخلاف معاني قوله - ﷺ -. فلو تذكر أهل مكة معاني القرآن ومعاني أقوال الكهنة.. لما قالوا بأنّه - ﷺ - كاهن. وفي "برهان القرآن": خص ذكر الشعر بقوله: ﴿مَا تُؤْمِنُونَ﴾ لأن من قال: القرآن شعر ومحمد شاعر بعدما علم اختلاف آيات القرآن في الطول والقصر واختلاف حروف مقاطعه، فلكفره وقلة إيمانه، فإن الشعر كلام موزون مقفى. وخص ذكر الكهانة بقول: ﴿مَا تَذَكَّرُونَ﴾؛ لأن من ذهب إلى أن القرآن كهانة، وأن محمدًا - ﷺ - كاهن فهو ذاهل عن ذكر كلام الكهان، فإنه أسجاع لا معاني تحتها، وأوضاع تنبو الطباع عنها، ولا يكون في