لَنَعْلَمُ} في الأول ﴿أَنَّ مِنْكُمْ﴾ أيها الناس ﴿مُكَذِّبِينَ﴾ بالقرآن، فنجازيهم على تكذيبهم. قال الإِمام مالك رحمه الله تعالى: ما أشد هذه الآية على هذه الأمة. وفي الآية وعيد شديد لا يخفى. والظاهر (١): أن قوله: ﴿وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)﴾ وما بعده معطوف على جواب القسم، فهو من جملة المقسم عليه، وما بينهما اعتراض اهـ شيخنا.
والمعنى: أي وإنّ هذا القرآن.. لعظة وذكرى لمن يخشى عقاب الله فيطيع أوامره وينتهي عما نهى عنه. وخص المتقين بالتذكرة والعظة؛ لأنّهم هم الذين ينتفعون بها. ﴿وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (٤٩)﴾ له بسبب حبكم للدنيا وحسدكم للداعي، وإنا لنجازيكم على ذلك بما تستحقون إظهارًا للعدل.
والخلاصة: أنّ منكم من اتقى الله فتذكر بهذا القرآن وانتفع به، ومنكم من مال إلى الدنيا فكذب به وأعرض عنه.
٥٠ - ﴿وَإِنَّهُ﴾؛ أي: وإن هذا القرآن ﴿لَحَسْرَةٌ﴾ وندامة ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ المكذبين له يوم القيامة عند مشاهدتهم لثواب المؤمنين المصدقين به، أو حسرة عليهم في الدنيا حين رأوا دولة المؤمنين أو حين لم يقدروا على معارضته عند تحديهم بأن يأتوا بأقصر سورة من مثله. ويجوز (٢) أن يعود الضمير إلى التكذيب المدلول عليه بقوله ﴿مُكَذِّبِينَ﴾.
٥١ - ﴿وَإِنَّهُ﴾؛ أي: وإن هذا القرآن ككونه من عند الله ﴿لَحَقُّ الْيَقِينِ﴾؛ أي: للحق اليقين الذي لا يحول حوله ريب، ولا يتطرق إليه شك في أنه من عند الله، لم يتقوله محمد - ﷺ -. فالحق واليقين صفتان بمعنى واحد، أضيف أحدهما إلى الآخر إضافة الشيء إلى نفسه كحب الحصيد للتأكيد، فإن الحق هو الثابت الذي لا يتطرق إليه الريب، وكذا اليقين.
٥٢ - ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٥٢)﴾؛ أي: فسبح الله سبحانه وتعالى يا محمد ونزهه عما لا يليق به بذكر اسمه العظيم بأن تقول سبحان الله تنزيهًا له عن الرضى بالتقول عليه وشكرًا له على ما أوحى به إليك من هذا القرآن الجليل الشأن. فمفعول سبح محذوف، والباء في ﴿بِاسْمِ رَبِّكَ﴾ للاستعانة (٣) كما في ضربته

(١) الفتوحات.
(٢) روح البيان.
(٣) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon