النقيض على النقيض، فتعدية ﴿سَأَلَ﴾ بالباء من قبيل التعدية بحملى النظير على النظير، فإنه نظير دعا وهو يتعدى بالباء، لا من قبيل التعدية بالتضمين بأن ضمن سأل معنى دعا، فعدى تعديته كما زعمه "صاحب الكشاف"، لأنّ فائدة التضمين على ما صرح به ذلك الفاضل في تفسير سورة النحل إعطاء مجموع المعنيين، ولا فائدة في الجمع بين معنى سأل، ودعا؛ لأنّ أحدهما يغني عن الآخر.
وقرأ الجمهور (١): ﴿سَأَلَ سَائِلٌ﴾ بالهمزة، فهي اللغة الفاشية، فهو على هذا إمّا مضمّن معنى الدعاء كما قاله الزمخشري، فلذلك عدّى بالباء، والمعنى عليه: دعا داع على نفسه بعذاب واقع. وإمّا على أصله، و (الباء) بمعنى (عن) كقوله تعالى: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾، والمعنى على هذا: بحث باحث واستفهم عن عذاب واقع. وقرأ نافع وابن عامر ﴿سال﴾ بالألف بغير همزة، فهو إما من التخفيف بقلب الهمزة ألفًا، فيكون معناها معنى قراءة الجمهور، وإمّا من السيلان، والمعنى عليه: سال سائل: وادٍ في جهنم يقال له: سائل، كما قال زيد بن ثابت، ويؤيده قراءة ابن عباس ﴿سال سيل﴾. وقيل: إنَّ سأل بمعنى التمس، والمعنى عليه: التمس ملتمس عذابًا للكفار، فتكون الباء زائدة كقوله تعالى: ﴿تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ﴾. والوجه الأوّل هو الظاهر. وقرأ (٢) أبيُّ وعبد الله بن مسعود ﴿سال سالٌ﴾ مثل: مال مالٌ، على أنّ الأصل: سائل فحذفت العين تخفيفًا كما قيل: شاكٌ في شائك السلاح. والمراد بهذا السائل على ما روي عن ابن عباس واختاره الجمهور: هو النضر بن الحارث من بني عبد الدار، حيث قال إنكارًا واستهزاءً: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بجذاب أليم. وعبر (٣) بصيغة الماضي، وهو ﴿وَاقِعٍ﴾ دون سيوقع للدلالة على تحقق وقوعه إمّا في الدنيا، وهو عذاب يوم بدر، فإنَّ النضر قتل يومئذٍ صبرًا، وإما في الآخرة، وهو عذاب النار.
وعن معاوية رضي الله عنه أنّه قال لرجل من أهل سبأ: ما أجهل قومك حين ملكوا عليهم امرأة، قال الرجل: أجهل من قومي قومك، حيث قالوا لرسول الله - ﷺ - حين دعاهم إلى الحقّ: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك.. فأمطر علينا حجارة
(٢) البحر المحيط.
(٣) روح البيان.