الأفلاك التسعة المرتّبة بعضها فوق بعض، وهي السموات السبع والكرسيّ والعرش. وقال الكلبيّ: هي السماوات، وسمَّاها معارج لأن الملائكة تعرج فيها. وقيل: المعارج مراتب نعم الله تعالى على الخلق. وقيل: المعارج العظمة، وقيل: هي الغرف جعلها لأوليائه في الجنة.
وقرأ ابن مسعود (١): ﴿ذي المعاريج﴾ بزيادة الياء، يقال: معارج ومعاريج، وحكمهما واحد، مثل: مفاتح ومفاتيح.
والمعنى (٢): أي طلب طالب عذابًا واقعًا لا محالة سواء طلب أم لم يطلب، لأنّه نازل بالكافرين في الآخرة، لا. يدفعه عنهم أحد، فلماذا هم يطلبونه استهزاءً. ﴿مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣)﴾؛ أي: ليس لذلك العذاب الصادر من الله دافع من جهته إذا جاء وقته، فإذا اقتضت الحكمة وقوعه اجمتنع أن لا يفعله، وهو ذو النعم التي تصل إلى الناس على مراتب مختلفة ودرجات متفاوتة.
والخلاصة: أنَّ العذاب الذي طلبه السائلون واستبطؤوه واقع لا محالة؛ وهو سبحانه لم يفعل ذلك إلّا لحكمة، وهي وضعهم في الدركات التي هم أهل لها بحسب استعدادهم وما دسوا به أنفسهم من سيء الأعمال والخطايا التي أحاطت بهم من كل صوب. وقد نظم سبحانه العوالم فجعل منها مصاعد ومنها دركات، فليكن هؤلاء في الدركات، وليكن المؤمنون وإلملائكة في الدرجات طبقًا، عن طبق على نظم ثابتة اقتضتها الحكمة والمصلحة.
٤ - ثم بين مقدار ارتفاع تلك الدرجات، فقال: ﴿تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ﴾ المأمورون بالنزول والعروج دون غيرهم من المهيمين ونحوهم؛ لأنَّ من الملائكة من لا ينزل: من السماء إلى الأرض أصلًا، ومنهم من لا يعرج من الأرض قطعًا. ﴿وَالرُّوحُ﴾؛ أي: جبريل عليه السلام، أفرده بالذكر إظهارًا لشرفه وفضله، فهو من عطف الخاص على العام، كما في قوله تعالى: ﴿تَنزلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾ فقد ذكر مع نزولهم في آية وعروجهم في أخرى، وأخّره هنا وقدّم في قوله: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا﴾؛ لأن المقام هنا يقتضي تقديم الجمع على الواحد من حيث إنه مقام تخويف وتهويل اهـ

(١) الشوكاني.
(٢) المراغي.


الصفحة التالية
Icon