تلك القناديل بسواري المسجد وأوقدت، فقال عليه السلام: نورت مسجدنا نور الله عليك، أما والله لو كان لي ابنة.. لأنكحتكها، وسمّاه سراجًا، وكان اسمه الأول فتحًا، ثم أكثرها عمر رضي الله عنه حين جمع الناس على أبي بن كعب رضي الله عنه في صلاة التراويح، فلمّا رآها عليٌّ رضي الله عنه تزهر قال: نورت مسجدنا نور الله قبرك يا بن الخطاب.
﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾؛ أي: المصابيح المعبر بها عن النجوم؛ أي: بعضها كما في تفسير أبي الليث. ﴿رُجُومًا﴾ يرجم بها الشياطين. جمع رجم بالفتح، وهو ما يرجم به ويرمى للطرد والزجر، أو جمع راجم كـ (سجودٍ) جمع ساجدٍ. ﴿لِلشَّيَاطِينِ﴾ هم كفار الجن يخرجون الإنس من النور إلى الظلمات. وجمع الشياطين على صيغة التكثير لكثرتهم في الواقع.
والمعنى (١): وجعلنا لها فائدة أخرى هي رجم أعدائكم بانقضاض الشهب المقتبسة من الكواكب عند استراق السمع، لا بالكوكب نفسها؛ فإنّها قارّة في الفلك على حالها؛ منهم من يقتله الشهاب، ومنهم من يفسد عضوًا من أعضائه أو عقله. والشهاب: شعلة ساطعة من نار، وهو هاهنا شعلة نارٍ تفصل من النجم، فأطلق عليها النجم ولفظ المصباح ولفظ الكوكب. ويكون معنى ﴿جعلناها رجومًا﴾ جعلنا منها رجومًا؛ وهي تلك الشهب، ومما يؤيد أنّ الشعلة منفصلة من النجوم، ما جاء عن سلمان الفارسي رضي الله عنه: أن النجوم كلها كالقناديل معلقة في السماء الدنيا كتعليق القناديل في المساجد، مخلوقة من نار. وقالت الفلاسفة: إنّ الشهب إنما هي أجزاء نارية تحصل في الجوّ عند ارتفاع الأبخرة المتصاعدة واتصالها بالنار التي دون الفلك، وقد سبق بيان هذا المقام مفصّلًا في أوائل الصافّات والحجر، فلا عود ولا إعادة. والذي يلوح أن مذهب الفلاسفة قريب في هذه المادّة من مذهب أهل الحقائق، وقد مرّ بيان مذهبهم في الصافات، والله أعلم بالخفيات.
﴿وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ﴾؛ أي: هيّأنا لهؤلاء الشياطين في الآخرة بعد الإحراق في الدنيا بالشهب ﴿عَذَابَ السَّعِيرِ﴾؛ أي: عذاب جهنم الموقدة المشعّلة؛ فالسعير بمعنى مفعول كما سيأتي.