فهو حكاية لودادتهم. ﴿يَفْتَدِي﴾ من الافتداء، وهو حفظ الإنسان عن النائبة بما يبذل عنه. ﴿مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ﴾؛ أي: من العذاب الذي ابتلوا به يوم إذ كان ما ذكر، وهو بكسر الميم لإضافة العذاب إليه. وقرىء ﴿يَوْمِئِذٍ﴾ بالفتح على البناء للإضافة إلى غير متمكن. وقرأ الجمهور (١) ﴿مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ﴾ بإضافة عذاب إلى يومئذٍ. وقرأ أبو حيوة بتنوين ﴿عذابٍ﴾ وقطع الإضافة. وقرأ الجمهور ﴿يومئذ﴾ بكسر الميم. وقرأ نافع، والكسائي، والأعرج، وأبو حيوة بفتحها. ﴿بِبَنِيهِ﴾ أصله: ببنين سقطت نونه للإضافة، وجمعه؛ لأن كثرتهم محبوبة مرغوب فيها.
١٢ - ﴿وَصَاحِبَتِهِ﴾؛ أي: صاحبته التي يصاحبها ﴿وَأَخِيهِ﴾ الذي كان ظهيرًا له ومعينًا.
وجملة قوله: ﴿يَوَدُّ﴾ مستأنفة (٢) مسوقة لبيان أنَّ اشتغال كل مجرم بنفسه بلغ إلى حيث يتمنّى أن يفتدى بأقربهم إليه وأعلقهم بقلبه ويجعله فداء لنفسه حتى ينجو هو من العذاب، فضلًا عن أن يهتم بحاله ويسأل عنها، كأنّه قيل: كيف لا يسأل مع تمكنه من السؤال؟ فقيل: ﴿يَوَدُّ﴾... إلخ.
١٣ - ﴿وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣)﴾؛ أي: وعشيرته الأقربين الذين يضمونه في النسب أو عند الشدائد، ويأوي إليهم فيلوذ بهم. قال أبو عبيد: الفصيلة دون القبيلة. وقال ثعلب: هم آباؤهم الأدنون، وهي في الأصل القطعة المفصولة من الجسد، وتطلق على الآباء الأقربين، وعلى الأولاد؛ لأنَّ الولد يكون مفصولًا من الأبوين، فلمّا كان الولد مفصولًا منهما كانا مفصولين منه أيضًا، فسمّي فصيلة لهذا السبب، والمراد بالفصيلة في الآية هو الآباء الأقربون والعشيرة الأدنون لقوله: ﴿وبنيه﴾.
وقوله: ﴿تُؤْوِيهِ﴾ من آوى إلى كذا انضم إليه، وآواه غيره كما قال تعالى: ﴿آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ﴾؛ أي: إلى نفسه.
١٤ - ﴿وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا﴾ من الثقلين والخلائق. و ﴿مَنْ﴾ للتغليب. ﴿ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾ معطوف على ﴿يَفْتَدِى﴾؛ أي: يَوَدُّ لو يفتدى ثم ينجيه الافتداء. و ﴿ثُمَّ﴾ لاستبعاد الإنجاء. يعني: لو كان هؤلاء جميعًا تحت يده وبذلهم في فداء نفسه ثمّ ينجيه ذلك، وهيهات أن ينجيه. وقرأ (٣) الزهريّ ﴿تؤويه﴾ و ﴿تنجيه﴾ بضمّ الهاءين.
(٢) روح البيان.
(٣) البحر المحيط.