والمعنى: أي يتمنى الكافر لو ينفع أعز الناس إليه فديةً. لينجيه من ذلك العذاب، فيود لو كان أبناؤه أو زوجته أو أخوه أو عشيرته التي تضمه إليها، أو أهل الأرض جميعًا فداء له ليخلص من ذلك العذاب.
والخلاصة: يتمنى الكافر لو كان هؤلاء جميعًا في قبضة يده.. ليبذلهم فدية عن نفسه ثم ينجيه ذلك هيهات.
١٥ - ﴿كَلَّا﴾ ردع للمجرم عن الودادة والتمنّي، وتصريح بامتناع إنجاء الافتداء؛ أي: لا يكون كما يتمنّى فإنّه بهيئته الظلمانية الحاصلة من الإجرام استحق العذاب، فلا ينجو منه. وفي الحديث: "يقول الله عَزَّ وَجَلَّ لأهون أهل النار عذابًا يوم القيامة: لو أنَّ لك ما في الأرض من شيء أكنت تفتدى به؟ فيقول: نعم، فيقول: أردت منك أهون من هذا، وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي". وعن "القرطبي": أن ﴿كَلَّا﴾ يكون بمعنى الردع والزجر وبمعنى حقًّا، وكلا الوجهين جائزان هنا، فعلى الثاني يكون تمام الكلام ﴿يُنْجِيهِ﴾، فيوقف عليه، ويكون ﴿كَلَّا﴾ من الجملة الثانية التي تليه. والمحققون على الأول، ومن ذلك وضع السجاوندي علامة الوقف على ﴿كَلَّا﴾. ﴿إِنَّهَا﴾؛ أي: إنَّ النار المدلولى عليها بذكر العذاب، والمراد جهنم. ﴿لَظَى﴾ علم للنار، أو للدرك الثاني منها، منقول من اللظى بمعنى اللهب الخالص الذي لا يخالطه دخان، فيكون في غاية الإحراق لقوة حرارته النارية بالصفاء. وهو خبر ﴿إن﴾ بمعنى إن النار التي أعدت لعذابه مسماة بهذا الاسم. ويجوز أن يراد بـ ﴿لَظَى﴾: اللهب الخالص على الأصل، فيكون خبرًا بلا تأويل؛ أي: إنَّ النار التي يعذّب بها لهب خالص ليس فيه دخان.
١٦ - ﴿نَزَّاعَة﴾ خبر ثان لـ ﴿أَنّ﴾؛ أي: قلاعة ﴿لِلشَّوَى﴾؛ أي: للأعضاء التي في أطراف الجسد كالأيدي والأرجل؛ أي: مزيلة للأعضاء عن أماكنها لقوّة حرارتها ثم تعود الأعضاء كما كانت، وهكذا أبدًا، فلا تترك لحمًا ولا جلدًا، إلا أحرقته. من نزع الشيء إذا جذبه، وأزاله من مقرّه وموضعه. و ﴿الشوى﴾: الأطراف؛ أي: الأعضاء التي ليست بمقتل كالأيدي والأرجل. أو جمع شواة، وهي جلدة الرأس. يعني: أنَّ النار تنزع جلود الرأس وتقشّرها عنه، وذلك لأنهم كانوا يسعون بالأطراف للأذى والجفاء، ويصرفون عن الحق الأعضاء الرئيسية التي تشتمل عليها الرأس خصوصًا العقل الذي كانوا لا يعقلون إلا به في الرأس.