راحة النعيم وقع في كدر الجحيم. وفي إيراد ﴿كُلُّ﴾ إشعار بأن من آمن منهم بعد قولهم هذا، وأطاع الله ورسوله حق له الطمع، وتعميم للردع لكل منهم كائنًا من كان ممن لم يؤمن.
ثم ذكر السبب في تيئيسهم منها، فقال: ﴿إنَا خَلَقْنَاهُمْ﴾؛ أي: أنشأناهم وأوجدناهم ﴿مِمَّا يَعْلَمُونَ﴾؛ أي: من النطفة القذرة التي يعلمونها، فكيف يتشرفون ويدعون المتقدم ويقولون: لندخلن الجنة قبلهم؟ فكيف يليق ويصح دخولهم الجنة، ولم يتصفوا بالإيمان والمعرفة. وهذا كلام مستأنف، ولذلك وضع السجاوندي علامة الطاء على ﴿كَلَّا﴾ لتمام الكلام عنده، قد سيق تمهيدًا لما بعده من بيان قدرته تعالى على أن يهلكهم لكفرهم بالبعث والجزاء واستهزائهم برسول الله - ﷺ -، وبما نزل عليه من الوحي وادعائهم دخول الجنة بطريق السخرية، وينشيء بدلهم قومًا آخرين. فإن قدرته تعالى على ما يعلمون من النشأة الأولى من حال النطفة، ثم العلقة، ثم المضغة حجة بينة على قدرته تعالى على ذلك.
وقيل المعنى (١): إنا خلقناهم من أجل ما يعلمون، وهو تكميل النفس بالإيمان والطاعة، فمن لم يكملها بذلك فهو بمعزل عن أن يتبوأ متبوأ الذين أخلصوا لله وحده، وبعدت نفوسهم عن دنس الشرك والمعاصي.
٤٠ - ثم توعدهم بأنهم إن لم يثوبوا إلى رشدهم أهلكوا، واستبدل بهم قومًا غيرهم خيرأ منهم، فقال: ﴿فَلَا أُقْسِمُ﴾؛ أي: أقسم ﴿بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ﴾ جمع (٢) المشارق والمغارب إما لأن المراد بها مشرق كل يوم من السنة ومغربه، فيكون لكل من الصيف والشتاء مائة وثمانون مشرقًا ومغربًا أو مشرق كل كوكب ومغربه. أو المراد بالمشرق ظهور دعوة كل نبيّ، وبالمغرب موته. أو المراد أنواع الهدايات والخذلانات. ﴿إِنَّا لَقَادِرُونَ﴾ جواب القسم.
٤١ - ﴿عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ﴾؛ أي: نبدلهم. حذف المفعول الأول للعلم به، و ﴿خَيْرًا﴾ مفعوله الثاني بمعنى التفضيل على التسليم؛ إذ لا خير في المشركين. أو نهلكهم بالمرة حسبما تقتضيه جناياتهم، ونأتي بدلهم بخلق آخرين ليسوا على صفتهم، ولم يقع هذا التبديل، وإنما ذكر الله ذلك تهديدًا لهم، لكي يؤمنوا. وقيل: بدل الله بهم الأنصار والمهاجرين. ﴿وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ﴾؛

(١) المراغي.
(٢) روح البيان.


الصفحة التالية
Icon